ان القرآن لم يأت ليجتث واقعا موجودا ويستبدله بآخر...
فهو ليس اسقاطا من عالم متباين يمحق واقعا موجودا..
بل هو جاء من لب ذلك الواقع الذي نزل فيه..
فمن صميم ذلك الواقع أتى القرآن بافضل ما يمكن لذلك الواقع...
جاء ليصلح الأمر بما يناسب واقع ذلك الزمان.. وكأفضل ما يكون في ذلك الزمان ولذلك المكان.
وأنت تطالع القرآن لا يمكنك الا أن تشم رائحة الواقع الذي نزل فيه.
وأنت تطالع القرآن لا يمكنك أن تتغافل عن حقيقة الانسجام مع الواقع الذي نزل فيه
وأنت تطالع القرآن لا يمكنك أن ترى اي تجاهل منه للواقع الذي نزل فيه
وأنت تطالع القرآن لا يمكنك أن ترى أي محاولة سلخ للواقع الذي نزل فيه
وأنت تطالع القرآن لا يمكنك أن ترى اي محاولة مصادرة للواقع الذي نزل فيه
ففي القرآن حديث عن التين والزيتون والعنب والنخيل وغيرها من المحاصيل الزراعية التي عرفتها شبه الجزيرة العربية وجوارها من المناطق التي احتك بها العرب في رحلاتهم وتجاراتهم ولا نجد في القرآن ذكر للمانغو, الافوكاتو والبابايا وغيرها
,في القرآن حديث عن الفيل, النملة, البعوضة, الابل الحمار وغيرها من الحيوانات والحشرات ولا نجد في القرآن ذكر للكنغارو , الباندا, التسيه تسيه, البطريق وغيرها...
وفي القرآن ذكر لأمم سابقة ومعاصرة عرفتها شبه الجزيرة وجوارها, ولم يذكر القرآن شيئا عن الأمم البعيدة عن الواقع الذي نزل فيه
وفي القرآن ظهرت الجغرافيا بمحدوديتها بالنسبة الى ما عرفها أهل ذلك الزمان والمكان, بحيث أن الشرق الأدنى يختصر العالم أجمع
وفي القرآن ظهر ذكر أديان عرفتها تلك البقعة الجغرافية وجوارها ايضا, ولم يتطرق القرآن لديانات عرفتها المناطق البعيدة
وفي القرآن ظهرت بصمة النظريات العلمية التي كانت سائدة في ذلك الزمان والمكان, من الذرة الى السماوات السبع, الى مكان خروج الماء الدافق الخ الخ
اذا هو ذلك الواقع ونفحاته تسود عبر السور والآيات...
وفي القرآن جاءت أحكام وتشريعات مستخلصة من الواقع الذي نزل فيه واذكر منها اضافة الى ما شرعها النبي دون نص قرآني مباشر( ما أتاكم الرسول فخذوه) : قطع يد السارق, الحج, حد الزنا, القسامة,  الطلاق, كسوة الكعبة, تحريم الاقتتال في الاشهر الحرم, السواك, المضمضة والاستنشاق, الاجتماع في يوم للوعظ, غسل الجنابة,الاستنجاء, الصوم, الحج والعمرة, الدية, الخمس( كان ربعا) الخ الخ ..
فمن واقع زماني ومكاني معين متخصص خرجت التشريعات والاحكام متلائمة مع أصلها بل هي ابنتها..
لكن قد تم تجاهل كل هذا وتم اسقاط كل تلك الأحكام والتشريعات المنبثقة من ذلك الواقع, تم اسقاطها على واقع الانسان اليوم, واقعه هنا وهناك..
كم هو بون شاسع أن تستخرج من الواقع ما يناسب ذلك الواقع بأفضل مثال... وبين أن تأتي بمستخرجات من واقع ما لتسقطها على واقع آخر كاسوأ مثال...
فليس الكلام هنا عن النظرة الى الوجود, الحياة والانسان...وليس الكلام هنا عن جوهر العناوين الملائمة لكل مكان وزمان..بل الكلام عن تشريعات مستخرجة وآليات وتطبيقات لأحكام..
المشكلة اذا اننا قد تربيا على أن القرآن كلام الله, وليست هنا المشكلة بل في الفهم الديني لكلام الله!
كلام الله عند أهل الفقه والعقيدة الذي يعني الالهية الصرفة للقرآن التي تأبى اي دور انساني في صياغته.
تلك الالهية الصرفة التي تأبى اي دور انساني لمحمد ابن ذلك الواقع فيه..
تلك الالهية الصرفة التي جعلت من محمدا مجرد قناة صنمية تمر فيه عبارات, كلمات وحروف الله فيه!
تلك الالهية الصرفة التي جعلت محمدا موجود بلا احساس ولا معارف وما تحريك شفتية الا حركة لا ارادية مطلوبة من قبل عزيز جبار لتمر الآيات!!
ففهمهم لمعنى كلام الله فرض صرفة محضة للآيات, الأمر الذي يعني وجوب فرضه وبسطه على كل الوقائع المختلفة زمانا ومكانا وبنفس الشكل!!
لقد حولوا محمدا  الى مسخ على صورة بشر!
فان كان قد نزلت كثير من الآيات بنفس واقع ذلك الزمان والمكان, فالى من تعود مرجعية هذا النفس؟
فاذا كان هذا النفس المنسجم مع ذلك الواقع الزماني والمكاني ليس من بنات صياغة محمد ابن ذلك الواقع, فهل هو من الله؟!
لعله اله ذلك الزمان والمكان المحدودين هو من أنزل تلك الآيات!
فهل صار الله ابن شبه الجزيرة العربية وجوارها؟
وهل صار الله محدود الواقع؟
أم هي ببساطة متناهية لمسة ابن ذلك الزمان محمد المتأثرة بواقعه الزماني والمكاني قد فرضت نفسها على القرآن
انها هي حالة اللاوعي السلفية فكريا التي يعيشها غالبية رجال الدين المسلمين على اختلاف مذاهبهم؟
  فان كان سلفية أهل الحديث قد فصلوا بين الله وخلقه بجعله في "اكس" ما خارج هذا الوجود (على عرش فوق الوجود) ومن هناك يمارس سلطته واسقاطاته, فان غيرهم ممن ينفون عن الله الطاكس" وال"جهة" يعيشون هذه الحالة في لاوعيهم فيفصلون ولا يستطيعون أن يفهموا اي شيء يخص الله الا بتباين عن واقع الوجود والانسان



Leave a Reply.