لسنا أصحاب الخيار في ظروف وجودنا, فلا أحد سألنا قبلا, ولا أحد أعطانا الحرية لنختار في اي بيئة نولد؟
لذلك فكل منا, يولد في بيئة ما, ويلبس ثوب هذه البيئة عاداتيا,دينيا وغير ذلك
أين نحن مما نحن فيه في ظل هذا الوضع؟
نحن انسان, وانسان يعني عقل, والعقل يعني الاختيار, الارادة والحرية.
أين عاقليتنا من لبسنا لثوب الاخرين, واين ارادتنا وأين اختيارنا واين الحرية!؟؟؟
فهل قرر كل منا ان يعيش انسانيته حقيقة؟
وليس عبر لقلقات لسانية صرفة
وهل الله طلب منا أن لا نعيش انسانيتنا
يعني هل الله خلق لنا الحرية والاختيار, ثم طلب منا عدم استعمالهم؟!!
بأن نسير كما وجدنا آباءنا يسيرون
اين نحن مما نحن عليه, هل نحن في يقين,ظن,شك أم وهم!؟؟
فما هي هذه العبارات التي قد تبدو للبعض طلسمات, او شعبذات, تماما كهذا الموضوع,


اليقين

هو  ينتمي لعالم البت  لعالم الجزم.
فيقولون عنه في المنطق: التصديق بمضمون خبر ما أو عدمه على نحو الجزم.
وفي اللغة كما في القاموس المحيط: يقن الأمر : علمه وتحققه. وفي لسان العرب: اليقين: العلم وازاحة الشك وتحقيق الأمر.
لذلك قال الراغب والفيروزأبادي: يقال: علم يقين ولا يقال: معرفة يقين, واليقين فوق المعرفة والدراية وأخواتها.
ورد في القرآن:
"وبالآخرة هم يوقنون"
وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
ان هذا لهو حق اليقين
وانه لحق اليقين
حتى أتانا اليقين
كلا لو تعلمون علم اليقين
وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون
ويقول علي بن ابي طالب:
وأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين
وأن النوم على اليقين خير من الصلاة في الشك
سلوا الله اليقين ، وخيرما دام في القلب اليقين ، والمغبوط من غبط يقينه

 الظن

أما الظن ففي المنطق يقولون: هو ترجيح مضمون خبر او عدمه مع تجويز الطرف الآخر. ويعتبرونه من أقسام العلم.
وفي القرآن يقول الله
وما يتبع أكثرهم الا ظنا, ان الظن لا يغني من الحق شيئا
وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه, وما لهم به من علم الا اتباع الظن , وما قتلوه يقينا
وما لهم بذلك من علم , ان هم الا يظنون
ان نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين
فالظاهر الواضح الجلي من الآيات أن الظن في المسائل الأساسية ليس مستساغا وليس منجيا.
نعم الأمر يختلف في الأمور الفرعية, لذلك نجد أن المجتهدين الأصوليين يجيزون الظن في الفروع(الفقه) وهذا طبعا بخلاف الأخباريين عبدة "النصوص" الذين يمنعونه.

الشك

أما الشك ففي اللغة يقولون شككت الشيء: اذا جمعته بشيء تدخله فيه.وفي المنطق يقولون: التساوي بين احتمال الوقوع واحتمال العدم يعني 50% لكلا الطرفين.
والان

كيف كون كل منا رؤيته الايديولوجية الشخصية؟

لا يخفى على أحد أن الانسان يتبع ما وجد عليه آباءه كانطلاقة في الحياة في غالبية الأوقات, فمن ولد في بيئة دينية ما يسارع الى حمل سيف هذه البيئة وتبنيها, فنجد الشيعي هو ابن البيئة الشيعية , وكذا السني,الدرزي,المسيحي على اختلافات المذاهب,اليهودي, وكذا أتباع الديانات اللاسماوية, ومن يطلقون على أنفسهم عناوين "ملحدين","ربوبيين", "لاأدريين", "طبيعيين وجوديين" وعلى هذا ايضا عراة غابات الأمزون,الكونغو,وجزر بولينيزيا وغيرها.
فمعظمنا لم يختر, بل لبس ثوبا جاهزا... وهكذا انطلق في حياته
معظمنا لم يطبخ بيديه, بل تناول ديليفيري, وجبة جاهزة
معظمنا اتبع ما وجد عليه آباءه... فقلدهم
أخذ قلادتهم من أعناقهم ولبسها
أو هم ألبسوه اياها
ومن هنا انتزع مصطلح التقليد

التقليد

في اللغة, التقليد مأخوذ من القلادة التي يقلد الانسان غيره بها.
وفي الاصطلاح يدور التقليد في عالم العمل أو الأخذ بقول وفعل الغير دون حجة
ولعل تعريف الخوئي قد يكون الأنسب:"الاستناد الى قول الغير في مقام العمل
"
موقف القرآن من التقليد

في المسائل الأساسية قال الله تعالى في مورد الذم لمن رفض دعوة النبي(ص): قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا , أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون.
وقال ايضا: قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا
وأيضا: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليه آباءنا.
وايضا: قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون

فالتقليد مذموم في المسائل التي يتوقف عليها مصير الانسان ووجوده.
لذلك فاتباع ما وجدنا عليه آباءنا تقليدا مذموم, وهو أكيد لا ينتمي الى عالم اليقين ابدا!
كيف نتعامل مع المسائل التي تعترضنا سواء أخذناها وراثة أم اكتسابا وسعيا؟
ان كل اناس بما لديهم فرحون, ولكن هل يحقق هؤلاء الناس مما لديهم, أم ساروا به تقليدا؟
علينا جميعا أن ننظر الى ما لدينا ونصنفه
هل هو تقليد لما سار عليه آباؤنا, أم أنه عن اكتساب ونظر.
اذا كان تقليدا, فهو ليس من عالم اليقين ولو ادعى من ادعى أنه متيقن!
فهذا انسان يعيش وهما يسميه يقينا
ومع احترامنا الكامل لأصحاب المكاشفات والمنامات والقصص التشويقية.
واذا كان عن اكتساب وسعي ونظر, فهل يستطيع أن يصنف كل منا رؤيته الوجودية تحت عنوان ما: اليقين,الظن,الشك, أو حتى غير ذلك كالوهم مثلا!
هل حاول كل منا البرهنة على ما يعتقد به للوصول الى اليقين مثلا؟
هل نجرؤ عل ذلك؟
ولماذا لا؟
ألسنا انسان!؟
أحرار مختارين؟ أم هي مجرد شعارات, تربينا عليها ذهنيا!!
واين العدالة ان لم يجب علينا أن نختار...

اليقين والحقيقة

عندما يصل الانسان لحقيقة ما يحصل لديه اليقين الفعلي
لذلك لغويا ذكر التحقق في تعريف اليقين
بغض النظر عن التعريفات الاصطلاحية للتحقق,الحقيقة, الواقع وغير ذلك
فاليقين انما يستلذ به ويطمئن به الانسان بمعانقة الحقيقة
والحقيقة معرفيا هي الفكرة المطابقة للواقع, ووجوديا هي ما ينكشف من الواقع لدي
فهل وصل كل منا الى يقينه  بناء لانكشاف الواقع لديه, أو بناء لمطابقة أفكاره الدينية وغيرها للواقع؟
لا بل هل فهمنا ما هو اليقين, وبحثنا عنه اصلا؟!
وكيف ننهل من الواقع؟
يصنف أهل العلم على اختلاف مشاربهم وعلى المشهور أدوات النهل من الواقع   بما يلي: 
1- الوحي
2- القلب- المكاشفة
3- العقل- الاستدلال البرهاني
فمنهم من حصر الأداة بواحدة منهم ومنهم من جمع اثنتين ومنهم من جمع الثلاثة, او بعبارة أدق, جمع القلب والعقل تحت عبائة الوحي
ولما كان الوحي قد انقطع باستشهاد النبي(ص), وهو الوحي الخاص لا الوحي بالمعنى التكويني, خلافا لغلاة الشيعة ومفوضتهم وخلافا لغلاة السنة وحشويتهم, ولما لم يكن مقدورا عادة على الكشف القلبي-اذا فرضنا قيمته كأداة- لم يبق أمامنا الا العقل, وبرهانه
والعقل يعني الانسان
ومن يسأل لماذا العقل, يأتيه الجواب: لأننا انسان

البرهان العقلي

البرهان في اللغة يدور مدار الحجة البينة الفاصلة.
يقولون أنه عملية استدلال تهدف الى اثبات صدق أو كذب قضية ما
وفي المنطق: هو قياس مؤلف من مقدمات يقينية يفضي الى نتائج يقينية
البرهان في القرآن:
يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا اليكم نورا مبينا
قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين
ويقول عن يوسف : لولا أن رأى برهان ربه

فأين نحن من هذا كله؟؟
هل ما لدينا من نظرة كونية قائم على البرهان؟؟
أم على التقليد!؟؟
واذا فرضنا أننا اقمنا نظرتنا بناءا لبراهين, فرصنا من أهل اليقين, كوننا اعتبرنا ان ما لدينا من أفكار قد صارت مطابقة للواقع, او اعتبرنا أن اننا وصلنا للحقيقة في هذه الرؤية من خلال انكشاف الواقع لدي, فما موقفنا اذا أطل الشك مجددا بقرنيه؟؟
ان كنا من أهل اليقين فيما نكونه من نظرة ايديولوجية وبدأ الشك يشوش علينا؟ماذا نفعل؟
ان اليقين لا ينقض بالشك وإنما ينقض بيقين مثله.
وبالتالي لا يمكننا بمجرد الشك أن نعمد الى نسف يقين ما, وان فعلنا فهذا يدل على أن ما كان عندنا لم يكن يقينا 
ان مجرد الشك لا يعني الترك حتى نتبين ابدا...بل يمكن مع بحثنا عن حقيقة موضوع ما طرأ عليه الشك أن نبقى على ما نحن عليه الى حين ظهور وجلاء الأمر بشكل يزول معه هذا الشك المطل
تذكرت قول لأحد الاخوة يقول فيه :اذا عندك بيت وتشك في كونه يحميك, فهل تتركه وتجلس في العراء!أم تبقى فيه وتبحث عن بديل؟؟
طبعا هذا قول جيد, فيما لو كنا متيقنين من هذا البيت ويعترينا الشك فقط...
أو لنكون مقصرين شوي او تفريطيين: هو جيد فيما لو كنا نشك في أسس هذا البيت فقط.
لكن ماذا لو كنا متيقنين من هشاشة أسس هذا البيت؟؟؟
ماذا لو كان هذا البيت مما بني على (اساس) غير يقيني!؟؟؟
أو على أساس توهمنا يقينيته؟ لكوننا انطلقنا مما وجدنا عليه آباءنا عند الاستدلال
يعين بتعبير منطقي, لم ننطلق من مقدمات يقينية
طبعا الوضع سيكون مختلفا , وبالتالي سنكون حين وجودنا فيه مهددين بأن ندفن تحته, ولا يكون هناك فرصة ابدا للبحث عن بيت بديل!
فعندما يكون الاساس من هذا السنخ, فالبناء مثله, ولا يقوم بناء دون اساس, وكل بناء على شاكلة اساساته
البقاء تحت سقف هكذا بيت يعني اننا قد نبقى نعيش الوهم, وهما يزين لنا بيتا مخلخلا على أنه أفضل الموجود.
وفي حال حصل هذا الأمر, فاننا سنبقى نطل على خارج هذا البيت من معيار نظرتنا لهذا البيت.
سنبقى نطل على غير هذا البيت من شباك هذا البيت؟
سنبقى نصحح في الجدران, وفي السقف, لنخفف من النش الذي يرشحه علينا الوهم
أما الاساسات التي يقوم عليها البيت!! فلن نستطيع أن نفعل معها شيئا ونحن في الداخل
وأكثر من ذلك, فاننا لن نتمكن من أن نقيم البيت بنظرة كلية من خارجه, بل سنبقى عالقين في نظرة متجزئة مبعضه له ومن الداخل, تماما كنملة تظن ان امكنها النظر عاليا وهي تحت جبل ما أن هذا هو أعلى شيء ممكن, وعلى طريقة سعيد صالح في "العيال كبرت" عندما وقف أمام عبد الواحد العملاق الملاكم : "ورحت بص لفوق, بلاد تاخدني وبلاد تجيبني, وفين لما وصلت للكتاف, وبعد كده نظري ما جبش!!".
فان بقينا فيه لن نستطيع أن نراه(البيت) ونرى غيره في نفس الوقت؟
مهما ادعينا قدرتنا على ذلك
ومع كل لحظة بقاء فيه,نحن مهددين, بأمراضه, ونبقى في حالة صراع مع آثاره السلبية, هذا ان حالفنا الحظ في البقاء أحياء ولم ينهدم فوق رؤوسنا...
فهذا البيت هو بيتنا نحن... فقط..
وحذار حذار من البحث عن يقيننا!!
أي ما نفترضه نحن يقينا
يقين مقرر مدروس مسبقا معتمد على ما نريد نحن, يوقعنا فيما يسمونه الأصوليون: المصادرة على المطلوب
أي تسريب النتيجة في المقدمات
انه ليس الا وهم اليقين
وما أكثرهم من يقعون به





Leave a Reply.