مقدمة
---------

ان دراسة تاريخ الحجاب للمرأة مرتبط بدراسة تاريخها الانساني الخاص ضمن الدراسات التاريخية العامة.
فبعيدا عن متبني نظرية الجبر التاريخي وان لا دور للانسان في صناعته - ويمكن تلمس الرائحة الدينية الحشوية تفوح  من عدد كبير من متبني هذه النظرية - فان كثيرا من الباحثين يعتبرون أن الاصالة في حركة التاريخ هي للانسان, فالانسان هو صانعه, بينما ذهب آخرون الى تبني راي وسطي قال بوجود سنن وقوانين تحكم التاريخ ولكن لا تتعارض مع اختيار الانسان وحريته وارادته.
فاذا كان الانسان هو من يصنع التاريخ وحيدا أو تحت ظل قوانين وسنن ما  فان للمرأة كونها انسان ومشاركا للرجل في مسيرته عبر العصور دورا فاعلا في هذه الصناعة بغض النظر عن موقعها أو هامش نشاطها فيه أو عن نظرة التاريخ الماضي اليها أو حتى نظرة العصر الحديث اليها
ان موضوع المرأة وتاريخها لم يحظ بذلك الاهتمام الا حديثا.
فالواقع الجديد الذي بدأت تعيشه المرأة لسبب أو لآخر قد ساهم في تسليط الضوء على واقعها ودورها وبالتالي على تاريخها.
ان مطلق نظرة بسيطة للتاريخ الاجتماعي للانسان وما رافقه من نظم وقوانين تظهر وبوضح تام الهيمنة الذكورية على المرأة والاستلحاق المطلق  
لا يستطيع احد أن يعطي فكرة واضحة  عن حقيقة وتاريخ المنعطف في الوجود الانساني والذي أدى الى اللاتكافىء في التعاطي بين الرجل والمرأة والذي جعل المرأة في هذا الموقع المتدني عن الرجل تاريخيا رغم تعدد النظريات فيه من دينية( ك خلقت من ضلعه, الخطيئة الأولى, ...) وغير ذلك( كالبنية الجسدية ودوره في حماية القبيلة في المجتمعات البدائية , ...)
ولماذا رضيت المرأة بهذا الواقع ان حصل هذا أو ماذا فعلت كردة فعل ان لم تسكت عنه.
ان الذكورية الانسانية ومن خلال هيمنتها على مسار الاحداث وحركتها والذي ساهم بتهميش المرأة قد انعكس ايضا على التدوين وهذا قد ساهم سلبا بقصد أو من غير قصد باخفاء الواقع التاريخي الذي عاشته المرأة.
واللافت هو عدم وجود أو ندرة وجود نقليات عن واقع المرأة السابق قد كتبت بيد أنثوية الأمر الذي يصعب من المهمة الملقاة على عاتق الباحث الذي لن يجد أمامه الا نصوصا بنفس ذكوري استعلائي ستظهر شاء أم ابى, فهو ليس الا ابن واقعه الخاص وتربيته الخاصة وابن كل زمان مع ما هو واقع الذكورة والأنوثة فيه.
الا أن الندرة من الأخبار المذكورة في النقليات وخصوصا الدينية منها والتي ذكر قسم كبير منها في موقع النقص المحتاج الى التقويم اضافة الى الاكتشافات والفتوحات العلمية التي ساهمت بانتاج علم الآثار- الذي يعده البعض فرعا من الانثروبولوجيا- الذي يدرس حياة الماضين من خلال دراسة مخلفاتهم باتت قادرة على اعطاءنا صورة ما عن هذا الواقع التاريخي للمرأة.
ومن خلال البحث يظهر أن وضع المرأة ومنذ الحضارات القديمة التي نعرفها حتى الان كان سيئا ودنيويا مقارنة بوضع الرجل.
فلم تكن النظرة الى المرأة الا نظرة نقص وضعف وعار وغيرها من مصطلحات السلبية التي جعلتها ضحية عبر العصور
وهذا ظهر في نظرة المجتمعات اليها عند السومريين, الأكاديين, البابليين, الآشوريين, الكلدانيين, المصريين(ولو انها تمتعت بحرية اكبر) الفرس, اليونايين, الرومان, الصينيين(الا عند شعب الموسو), وعند الهندوس وغيرهم..
ولا ينبغي الخلط في الحكم من خلال عبادة الهة أنثى وتقديسها في مجتمعات ما وواقع المرأة في نفس المجتمع, فالنظرة في المجتمع اليوناني للمرأة كانت دونية في الوقت الذي عبد فيها اليونانيون الهة الحكمة "أثينا" ابنة الاله "زيوس" وبنوا لها أكبر معبد في تاريخهم "البارثينون" على هضبة الاكروبول.
وكذا الامر عند المصريين الفراعنة ومن تبعهم فمجرد وجود فراعنة نساء او حكام نساء كحتشبسوت, نفرتيتي, كليوباطرا وغيرهم لا يعني ان نساء تلك المجتمعات كن في وضع مثالي, رغم أن واقع المرأة في الحضارة الفرعونية كان مميزا عن غيرها من ناحية الحرية وما يتفرع عنها الى درجة أدهشت المؤرخ اليوناني هيرودس ابو التاريخ خلال زيارته لهبة النيل كما وصفها.
ثم  استمرت هذه النظرة اليها في ما يسمى بالديانات الابراهيمية السماوية ولكن مع نفس جديد الهي مقدس.
ولا زالت هذه المعاناة مستمرة ملاحقة المرأة تحت ستار الدين وتأثرا بفلسفة النقص والخطيئة المبنية على نصوص دينية بحيث لا يستطيعون أن يطلوا على المرأة الا من خلال واقع واقع واحد هو واقع النص المقدس المزعوم

ومن خلال المطالعة في المصادر التاريخية والنقلية الاخرى والآثارية يظهر لنا وجود علاقة بين واقع المرأة والحجاب.
لقد كان لهذا الحجاب رمزية ما ترتبط بواقع هذه المرأة وبكيفية التعاطي معها في مختلف العصور...
والحجاب المقصود هنا في هذا البحث هو غطاء الرأس لا المعنى اللغوي للحجاب من حجب اي ستر أو منع أو ...
فالحجاب لم يعرف في المجتمعات الانسانية البدائية كالتجمعات الهندية في غابات الأمزون أو التجمعات في أدغال وصحاري القارة السمراء افريقيا, بل بدا بالظهور مع التجمعات الحضارية الأولى والتي كانت بمعظمها مجتمعات وثنية 
أما مسألة نشأة فكرة الحجاب ومتى بدأ, وما هي الظروف القانونية, الاجتماعية, والتاريخية التي ساهمت في ظهوره فهي لا تزال موضع دراسات
فاذا راعينا التراتب الزماني فان الحجاب قد انتشر أولا في بلاد ما بين النهرين حيث ظهر في أقدم الحضارات وهي الحضارة السومرية واستمر لاحقا مع الحضارات الاخرى التي تلتها وبشكل ملفت جدا مع الآشوريين قبل أن ينتشر مع التوسعات التي قامت بها تلك الدول
كذلك نجد انتشارا له في جنوب أوروبا المتوسطية مع اليونانيين والرومان
كما عرفته الشعوب العربية القديمة سواء تلك التي جاورت الشعوب الاخرى التي عرفت الحجاب في الشمال أو حتى تلك التي كانت في قلب الصحراء وجنوبها
فالحجاب ومن هذه المجتمعات والدلالات الخاصة له عندها,انتقل الى ما يسمى بالأديان السماوية الابراهيمية مع دلالات جديدة خاصة به أسقطت عليه.
أما بعيدا عن بلاد ما بين النهرين وجنوب اوروبا فلم تعرفه الشعوب الاخرى الا في مناسبات معينة كما كان يفعل الصينيون في تقاليد الزواج 
-ولم تظهر اي دلالات تشير الى معرفة الشعوب القديمة الاخرى -البعيدة عن منطقة الشرق الاوسط وجنوب اوروبا للحجاب كما هو الحال عند شعوب المايا(أميركا الوسطى والمكسيك), الانكا(أميركا الجنوبية) والازتك(المكسيك) وعند شعوب أخرى في آسيا وأوقيانوسيا
  وفي المقالات القادمة سيظهر مدى تاثر المجتمعات المحيطة ببلاد ما بين النهرين وجنوب اوروبا بهذه العادة من خلال التوسعات والاحتلالات والسبي وخصوصا المجتمعات المعنية بنشأة ما يسمى بالديانات الابراهيمية


ولعل المقالات ستحوي اجابات على كثير من الأسئلة التي تراود الكثيرين ولو كانت بمضامين متشابهة
هل الحجاب مرتبط فقط بالايمان بدين؟
هل الحجاب مرتبط بالأديان الابراهيمية؟
هل الأديان هي من اتت بالحجاب؟
ما هي الرمزية الدينية للحجاب؟
هل الحجاب مرتبط بحركة المرأة الدينية على الأرض؟
هل هو مقدس لارتباطه بوجود من تلبسه أم هو مقدس لسبب آخر؟
هل الحجاب من أجلها أم من أجل غيرها؟
هل هناك شيء اسمه حجاب اسلامي؟
ما هو مصدر القوة لهذا الحجاب الاسلامي؟
هل العلاقة بين الدين والحجاب علاقة توفيقية أم لزومية؟ هل كان الحجاب عرفا او استحسانا اجتماعيا؟
هل كان الحجاب دلالة عفة؟
هل كان الحجاب من أجل التمييز الاجتماعي الطبقي الطولي(حرة,جارية) أو حتى العرضي(متزوجة,عزباء- شريفة,عاهرة)؟
وغيرها من الاسئلة

 

 والمقالات القادمة ستكون على الشكل التالي: 

الجزء الأول:  تاريخ ودلالة الحجاب عند شعوب بلاد ما بين النهرين ومصر

الجزء الثاني: تاريخ ودلالة الحجاب عند اليونانيين 

الجزء الثالث:  تاريخ ودلالة الحجاب عند الرومان الوثنيين

الجزء الرابع: تاريخ ودلالة الحجاب عند الاسرائيليين اليهود

الجزء الخامس:  تاريخ ودلالة الحجاب عند المسيحين

الجزء السادس: تاريخ ودلالة الحجاب في عند العرب قبل الاسلام

الجزء السابع: تاريخ ودلالة الحجاب في الاسلام




Leave a Reply.