في الحضارة اليونانية: 1150 قبل الميلاد – 146 قبل الميلاد
------------------------------------------------------------
عرفت شواطىء بحر ايجه أولى الحضارات شمال البحر المتوسط وهي الحضارة المعروفة بالحضارة الميسينية والمتحدثة باليونانية.
وفي التقسيم المشهور لتاريخ وحضارة اليونان يسمون الحقبة الزمنية الاولى التي بدأت مع المسينية عام 1150 قبل الميلاد الى عام 776 قبل الميلاد بالحقبة المظلمة.
ثم تلاه العصر اليوناني القديم الذي استمر حتى عام 480 قبل الميلاد وفيه أنشأ اليونانيون الابجدية اليونانية اعتمادا على الابجدية الفينيقية وظهرت فيه ايضا تشريعات سولون وفيه انتصر اليونان على الفرس في معركة ماراثون  ثم تلاه العصر الكلاسيكي الذي ظهرت فيه اسماء لامعة مثل سقراط, افلاطون وأرسطو وكانت نهايته مع وفاة الاسكندر المقدوني الكبير عام 323 قبل الميلاد. وأخيرا العصر الهيليني الذي امتدت فيه ثقافة اليونان في الشرق الاوسط وتبدأ بوفاة الاسكندر المقدوني وتنتهي مع الغزو  الروماني لليونان عام 168 قبل الميلاد وضمها الى الامبراطورية الرومانية كمحافظة تابعة لها ولكن مع استمرار هيمنة الثقافة اليونانية على الجزء الشرقي من الامبراطورية الرومانية والتي كان مركزها القسطنطينية.


واقع المرأة في اليونان
---------------------------------
كان واقع المرأة في اليونان سيئا كما هو في باقي بقاع الأرض , ولم تنجح الحضارة اليونانية ووضعها الراقي معرفيا على جيرانها في انصاف المرأة الا في الفترات المتأخرة من عمر هذه الحضارة.
فالمرأة الحرة لم تكن تقدر على الخروج من بيتها الا مع أحد محارمها
ولم يكن يحق لها الاختلاط بالرجال من غير محارمها ولو في بيتها, اذ اثناء الزيارات كن النسوة يجلسن في غرفة لوحدهن
والمرأة لم تكن سوى من اجل الانجاب والايتاء بوريث
اذا هو واقع سيء عاشته المرأة اليونانية في ظل احدى أرقى الحضارات في ذلك العصر
فالمرأة الزوجة مثلا لم يكن يحق لها مثلا أن تحصل على الطلاق, كما منعت من اي ارث.
ونقل عن حكماء ذلك الزمان اقوال متضاربة في المرأة
فهذا سقراط ينقل عنه انه يقول: قلب المرأة لؤلؤة يحتاج إلى صياد ماهر وايضا يقول: المرأة أحلى هدية قدمها الله الى الانسان, ويقول أيضا وايضا: عبقرية المرأة تكمن في قلبها. 
لكن ينقل عنه ايضا قول آخر: المرأة مصدر كل شر!!! 
وهذا أفلاطون يقول في كتابه الجمهورية: ان المرأة دون الرجل في كل شيء.
وهذا أرسطو يقول عنها: ان الطبيعة لم تزود المرأة باي استعداد عقلي يعتد به.
وهذا الطبيب المشرح جالينوس يقول: الجهاز التناسلي للمرأة لايكمل نموه إنه يبقى موديل غير تام بالمقارنة بما سيكون عليه لو اصبح الموديل تاماً
ومن خلال بعض الأعمال المسرحية اليونانية في العصر الكلاسيكي الثالث يمكن ان نأخذ صورة عامة عن واقع النظرة الذكورية يومها للمرأة .
فمن بعض أعمال ايسيخلوس(توفي 452 قبل الميلاد) يمكن أن نستشف الوضع السيء الذي كانت تعانيه المرأة ونظرة الاستعلاء الذكورية ضدها
ففي ثلاثية الأوريست يظهر أن النساء اليونانيات كن يرين الزواج عبودية, وانه يحولهن الى جواري عند الرجل
وفي مسرحيته"السبعة ضد طيبة" يقول ايتيوكليس حاكم طيبة كلاما عنيفا عن المرأة من انها مخلوقة لا تحتمل ومحتقرة عند أهل الفكر السوي وهي لا تطاق ان انتصرت وتجلب الشقاء ان خافت 
وان كان ايسيخلوس قد اعتبره البعض من اللاواقعيين في أعماله الأدبية والمسرحية الا أن هذا العصر قد شهد ايضا من يوصف بأبي الواقعية في الشعر المسرحي التراجيدي اليوناني ... انه يوريبيدس
فيوريبيدس(توفي 406 قبل الميلاد) هو ابن اثينا العلمية, ابن أثينا الفلسفية والخطابية
وهذا يوريبيدس يذكر في أحد أعماله في لوم النساء ان من يتوقف عن عيب المرأة يكون فاقدا للحكمة!!
وأحد ذكور مسرحياته في أحد المقاطع من الكريديات يقول مخاطبا رجلا تزوج من قريب: تزوج تزوج, ثم مت بالسم أو بحيلة امرأة

حجاب المرأة في اليونان
--------------------------
في اليونان كان تغطية المرأة لجسدها ولشعرها تقليدا يعبر عن الحشمة والتواضع, وقد لقي التأييد الكبير من كثير ممن كتبوا في الأخلاق وغيرها وعلى
سبيل المثال لا الحصر اكزينوفان(توفي 355 قبل الميلاد) في "ايكونومي" وفيليمون(توفي 262 قبل الميلاد) في "اثيني"
كانت النساء تلبس رداءا تلتحف به اسمه الهيماتيون , معطف وغطاء رأس, وقد شوهد على تماثيل في تاناغرا شمال اثينا وفي ميرينا عاصمة جزيرة ليمنوس في بحر ايجه.
وكن في غالب الأحوال يلففن الهيماتيون على رؤوسهن.
كما عرفت نساء اليونان الببلوس ,وهو رداء أعرض من الهيماتيون.
يذكر ديسيارخس المسيني(318 قبل الميلاد) واصفا نساء "بيوتيا" التي تقع وسط اليونان : تضع المرأة الغطاء على رأسها بطريقة تجعل وجهها يحتجب كليا فتبدو كالشبح لا يظهر الا عينان.
  وفي منطقة فيليبس, أظهرت بعض الآثار المكتشفة أن النساء كن يغطين رؤوسهن حتى لدى خروجهن لجلب الماء.
كما يبدو أن اليونانيين استخدموا الحجاب ايضا للتعبير والدلالة على حالة ما خاصة بالعائلة من أجل التمييز...
فقد ذكر أرستوفان في "أعياد تحتفل بها النساء على شرف الالهة ديميترا" قائلا : في مراسم العزاء والدفن النساء يكشفن والرجال يغطين والنساء يقصون الشعر والرجال يغطون.
اذا مخالفة العرف بتغطية الرجال رؤوسهم وظهور النساء مكشوفات الشعر مبعثرا هو تعبير عن الحداد, واشارة الى وجود حالة حزن أو مصيبة ما في العائلة.
وظهر الحجاب في النصب الجنائزية كتلك المكتشفة على بعض التماثيل في اثينا بحيث تبدو النساء وقد أزحن خمرهن قليلا بطريقة محتشمة.
ان مصدر قوة الحجاب في اليونان كان العرف العام, ولم يكن بفضل قوانين صارمة الزامية مفروضة كتلك التي شهدتها حضارات بلاد ما بين النهرين.
ففي نفس المدن التي كان فيها انتشار قوي للحجاب, ظهر أن كثيرا من سيدات المجتمع حتى ولو كن في مدن محافظة  كن يرفضن تغطية رؤوسهن.
لذلك نستطيع ان نفهم هذا التفاوت في الالتزام بالحجاب في المناطق اليونانية المختلفة, ويمكن التقدير أن الأمر يعود الى القرب أو البعد من مركز الدولة
كذلك يشتد الالتزام في مناطق ويخفت في مناطق بحسب الانفتاح والاحتكاك بالأمم الأخرى خصوصا عبر المدن التي كانت تحوي الموانىء البحرية كما هو الحال مثلا في مدينة كورنثوس ذات الميناء البحري الهام والتي لم يكن الحجاب فيها منتشرا بل كان ان وجد فهو مخالف للعرف العام في هذه المدينة.
يقول الشاعر والأديب فلوطرخس في "المسائل الرومانية واليونانية" : ان خروج المرأة دون تغطية رأسها مخالف للعرف العام.
كذلك كان للحجاب معنى طقوسي ديني فقد صورت كاهنات ديميترا الهة الأرض وهن يرتدين غطاء رأس كما كان المشارك في المسارة محجوبا, والمسارة هي عبارة عن تلقين المرشد للمريد اسرارا ومعارف خاصة
واستخدم غطاء الرأس أيضا في احتفالات الاسرار في ايلوزيس 
يذكر بوزانياس في"رحلة تاريخية في اليونان"  أنه في مدينة أولمبيا جنوبي اليونان وهي التي عقدت فيها اول دورة أولمبية عام 776 قبل الميلاد, في هذه المدينة ذات المعابد الكثيرة كان يحظر على كاهنة سوسيبوليس الدخول الى الهيكل دون تغطية راسها وستر وجهها, وهذا يعني أن الكاهنة ملتزمة بالعفة.
وفي فترة ما يسمى بفترة مصر اليونانية -حيث أن الاسكندر اليوناني قد دخلها عام 332 قبل الميلاد-  انتقلت الثقافة اليونانية الى مصر  بحذر مراعاة للسكان المصريين المحليين كي لا يقوموا ضدهم الا أن الوضع كان مختلفا في المركز الاداري الأول في البلاد في الاسكندرية  العاصمة ومركز الثقافة اليونانية
والملفت أن حجاب المرأة قد ظهر  بشكل كبير في الاسكندرية  في هذا العصر الى درجة أن فيلون الاسكندري(ولد 20 قبل الميلاد) والملقب بأفلاطون اليهودي يذكر في "كونتري فلاكوس" أنه حين حنق سكان الاسكندرية على اليهود لم يكن بالامكان التعرف الى النساء اليهوديات من خلال الزي فكان يتم اضطهاد النساء اليونانيات بالخطأ ظنا من الناس أنهن يهوديات
----------------------------------------------------------------------------------------------------

نستنتج مما مر
1-الحجاب كان لزوميا في الأماكن الدينية ويرمز لعفة 
2- الحجاب خارج الأماكن الدينية لم يكن مفروضا بموجب قوانين صارمة تعاقب من يخالفها
3- الحجاب كان انتشاره بعنوان العرف العام الدال على الحشمة والتواضع
4- الالتزام بالحجاب كان متفاوتا من منطقة لأخرى بل أحيانا كان التفاوت داخل نفس المنطقة
5-  الحجاب كان له رمزية بخصوص الموت من خلال دلالة ما عبر مخالفة العرف أثناء مراسم الجنائز 




Leave a Reply.