مقدمة
--------
يعتمد الاختصاصيون العرب بغالبيتهم في معرفتهم أصول الكلمات الموجودة في اللغة العربية على كتب اللغة العربية القديمة.
فتراهم يرجعون بشكل عام الى مجموعة كتب منها: لسان العرب لابن منظور, مختار الصحاح للجوهري, تاج العروس للزبيدي وغيرها من الكتب.
وفي داخل هذه الكتب يرجع اصحابها الى لغويين قبلهم ولكن ليس بفارق زمني كبير, بل يكونون عادة بطبقة أعلى منهم بدرجة او اثنتين.
ومن يتابع في هكذا مناهج لا يستطيع أن يبعد عن أصحابها شبهة التخريجات, وهي شبهة تلازم كل أخباري, والعلة هي بنفس المنهج الذي في كثير من الأحيان يعتمد الدور الباطل.
كما أن انتشار استخدام الكلمة في فترة ما لا يعني أنها أصلا قد وجدت من أجل هذا المعنى, بل قد يكون قد حصل تطور في استخدامها وهذا نراه جليا في كثير من اللغات بدواعي الحاجات.
لا يخفى على أحد الثغرات التي تلم بهذا المنهج الاخباري الكلاسيكي في التعرف الى منشأ الكلمات ومصدرها, اذ أنها أخبارية بحتة وقادمة من القرون الغابرة اضافة الى ضيق حركتها يومها.
فهي قبل تطور العلوم والاكتشافات وانفتاح العالم على بعضه, فكيف بالجيران على بعضهم ولو من خلال الآثار المادية.
لم يعد علم "الالسنيات" يفي بالغرض في هذا المجال, لذلك نجد علما جديدا شق طريقة بسلاسة وانسيابية بين أهل العلم وهو علم "الفيلولوجيا".
ان علم الفيلولوجيا يعتمد على علم "الالسنيات" اضافة الى النقد اللغوي والتاريخ خصوصا الثابت أركيولوجيا من خلال نقوش ورسومات وكتابات الخ.
ففي الفيلولوجيا تدرس اللغات التي قد تكون أثرت ببعضها البعض مجتمعة, وتقام المقارنات خصوصا بين تلك التي تنتمي الى أسرة واحدة.
فاللغة العربية هي من مجموعة اللغات السامية المتفرعة من مجموعة اللغات الافريقية الاسيوية.
ومن اللغات السامية الاخرى: الأكادية, الآرامية, الكنعانية بفروعها(فينيقية,عبرية,مؤابية,أدومية,عمونية,بونيقية), الامهرية وغيرها
وهذه اللغات اضافة الى كونها من أصل سامي واحد الا أنه حتى عندما تتطور وتخلق كلمات جديدة فان هناك عمليات انتقال لهذه الكلمات ستتم من لغة الى أخرى بعد القيام ببعض التعديلات المناسبة للغة المنتقل اليها أو ابقاءها كما هي.
ومن المتعارف عليه في علم الألسنيات أن تطور اللغة منوط بالحضارة, فلا تطور لغوي دون حضارة, اذ أن الحضارة هي التي تدفع اللغة الى ابتكار العبارات وتطوير اللغة
واذا انطلقنا من أن الصحراء لا تنتج حضارة فهذا يعني أن الحضارات المجاورة للصحراء هي التي سبقت الصحراء في تطورها اللغوي وهي التي سيكون له التأثير الأكبر على اللغة التي يتكلم بها سكانها, أكثر بكثير مما هي(الصحراء) ستؤثره.
ولذلك نجد عند دراساتنا الواقعية لتطور شكل اللغة العربية, نجد أن التطور الاهم الذي شهدته هذه اللغة شكلا حتى وصلت الى ما وصلت عليه كان في العراق والشام.
والعراق كان جزءا من الامبراطورية الفارسية, والشام كانت جزءا من الامبراطورية الرومانية.


أصل كلمة "الله" عند المسلمين والعرب
------------------------------------------
ينقل الخوئي وكذا فعل - ان لم اكن مخطئا- الطباطبائي في معنى كلمة "الله" تفسيرات اخبارية ما معتمدين على نقولات ابن منظور في لسان العرب وغيره.
وابن منظور(توفي 711 هجري) نفسه اعتمد في تفسيراته هذه على لغويين قريبين منه زمانا منهم المنذري(توفي 656 هجري) وابن الأثير اللغوي(توفي 637 هجري) أخو المؤرخ الشهير صاحب الكتاب "الكامل في التاريخ" وابن الأعرابي وابن سيده وابن بري وابو الهيثم والزجاج وغيرهم..
وتركز التفسيرات على أن الله هي "ال" التعريفية + لاه..
كما يركز ابن الأثير على أن الله هي "ال" التعريفية + اله, ثم يفسر اله من أَلِهَ يأْلَهُ إذا تحيّر.
وأبو الهيثم يقول أن اصل اله من وِلاهٌ: فقلِبتْ الواو همزة ومعنى وِلاهٍ أن الخلق يَولَهونَ إليه, واعترض على هذا الزجاج.
وقال ابن سيده: الالهة اي العبادة.
ويقول سيبويه أن الله أصلها الاله.
ولكن نحن هنا نتحدث عن كلمة "الله" الضاربة وجودا في التاريخ العربي قبل هذا الزمان بكثير!!

ملاحظات على هذا:
-----------------------
لم يعرف استخدام "ال" للتعريف عند العرب تاريخيا الا عند المناذرة في العراق وفي مملكة كندة الاقدم تاريخا.
والمناذرة قامت دولتهم عام 268 بعد الميلاد, بينما مملكة كندة قامت حوالي 200 قبل الميلاد.
أما عرب الشمال الذين استخدموا عدة لغات عربية كاللحيانية والثمودية اضافة الى الحسائية والصفوية والديدانية فكانوا يعرفون باضافة ال"ه" في أول الكلمة.
فان أراد العربي الشمالي تعريف حصان قال: هحصان.
ولذلك يقول البعض أن "هبل" الذي أتى به عمرو بن لحي الخزاعي من الشام الى مكة العطشى كشفيع للغيث ليس الا "بعل" الاله الكنعاني
وبنو خزاعة قد تسلموا مقاليد الامور في مكة بعد الجراهمة وهم من عرب الشمال وان كانوا أصلا من الجنوب كحال باقي القبائل الشمالية
فهؤلاء عرفوا بعل ب"هبعل" ومع الايام تغير اللفظ الى "هبل".
أما عرب الجنوب الذين استخدموا عدة لغات عربية منها: القتبانية, الحميرية, الحضرمية, المعينية وغيرها فقد كانوا يعرفون باضافة ال"ن" في آخر الكلمة.
فاذا أراد العربي الجنوبي تعريف حصان قال: حصانن.
ولها كثيرون يشككون بالشعر العربي الجاهلي ويقولون أنه منحول ومنسوب لذلك العصر, بينما يقول آخرون أنه قد اعيدت صياغته بناء لتطور اللغة العربية وأنشأ من جديد..
فمعروف أن تدوين الشعر الجاهلي قد بدأ في عصر الدولة الأموية بعد أن كان يتم تناقله شفويا ان صح وجوده قبلا...
وقد يساعد في ذلك أنه قد وجدت في شبه الجزيرة بعض النقوش التي تعود للقرن ال5 قبل الميلاد وفيها كلمة "الله" ولكنها كانت بالعربيات "اللحيانية" و"الثمودية" وبعض العربيات الجنوبية وهي عربيات لم تعرف "ال" للتعريف بل عرفت "ه" أول الكلمة و"ن" آخر الكلمة.
اذا هذه ال "ال" هي جزء من الكلمة وليست "ال" التعريفية.

كلمات شبيهة في لغات سامية أخرى
----------------------------------------
يعرف هذا الكائن الأعلى أو الأسمى في لغات سامية أخرى قريبة من العربية بما يلي:
 ʼĔlāhā  ܐܠܗܐ --  هكذا ورد في الانجيل الآرامي
ودخلت موقع آرامي فوجدت أن معنى الله في الآرامية الشرقية:
"AaLaH " وتقرأ هكذا : 
آلَه أو أألَه
وفي الآرامية الغربية:
  "AaLoH"
وورد هكذا: Alâhâ 
 ܐܲܠܵܗܵܐ -- في الانجيل السرياني كما تستخدمه الكنيسة الآشورية
Eloh       אֵלָה      
-- عند اليهود, ويظهر بهذا الاسم في أسفار عزرا ودانييل في التناخ.
وفي التناخ أيضا : "Eloh-im"
وهي جمع: "Eloh" أو "Elowah-(אלוהּ"
وهي جمع تفخيم أو جمع احترام للكائن الأعلى قبل أن يطلب منهم أن يعبروا عنه ب "يهوه".
ويلاحظ استخدام التفضيل بكثرة بحق الكائن الأعلى قديما لتفضيله على باقي الآلهة في عصر كثرت به الآلهة
ويلاحظ تقارب
Eloh
مع الكلمة "اله"
ويلاحظ أيضا تقارب كلمة
Eloh-im
مع كلمة "اللهم"
ويعتبر البعض أن ُEloh
كان تمييزا لاله اليهود في مرحلة ما عن الاله الكنعاني الظاهر في النصوص الفينيقية والاوغاريتية "ال" أو
EL
ودخلت موقع يهودي يترجم بعض الكلمات والعبارات فوجدت ما يلي:
elaH - God
elah-avahati - God of my fathers
elah-elaheem - God of Gods
elah-yerushelem - God of Jerusalem
elah-yisrael - God of Israel
elah-shemaiya - God of heaven
 
والأكثر لفتا للنظر أن كلمة الله وردت في نقوش اركيولوجية أكادية عديدة(لوحات طينية) تعود للزمن البابلي حوالي 1700 قبل الميلاد وذلك في ملحمة "أتراهاسيس" الأكادية الكتابة(ظهرت حوالي عام 2334 ق.م) والتي تتحدث عن الزمن السومري(4000 ق.م - 4500 ق.م) حيث كان اللا او الله يعبد ككائن أعلى بين باقي الآلهة الذين هم اخوته ويتلقون منه الأوامر.
وورد في هذه الملحمة ذكر خلق الانسان, والطوفان الذي أغرق الأرض
واللغة الأكادية هي لغة سامية وتعد من أقرب اللغات القديمة الى العربية.

افتراض ما
-------------
اذا, اذا كان العرب عرفوا كلمة "الله" منذ القدم, وقبل بني كنده, وقبل أن يوجد دليل يثبت استخدامهم ل"ال" التعريف واذا أخذنا بعين الاعتبار أن اسماعيل ابن ابراهيم عاش في الجزيرة العربية حوالي 1800 قبل الميلاد بحسب القصص الديني فيمكن أن تكون "الله" هي كلمة واحدة وليست "ال" تعريف + لاه.
فاسماعيل بن ابراهيم لم يكن عربيا, وانما تحدث الآرامية كما يقال ثم استعرب عند عرب بني جرهم.
والآراميون اليوم يستخدمون الكلمة ʼĔlāhā و AaLaH و AaLoH
وبعض المصادر تقول انه تكلم السريانية وهذا خطأ شائع, فالسريانية هي نفس اللغة الآرامية بعد أن تطورت وخصوصا بعد أن تأثرت بالدين المسيحي...
ولكن حتى في السريانية فالله هو: Alâhâ

خاتمة
-------
 ان الاركيولوجيا وفك شيفرات اللغات القديمة لم ولن تترك للقصص الديني مطرح!!
فهي قد أنهت قيمة العهد القديم كمصدر وحيد للتاريخ القديم, وأنهت قصة مملكة اسرائيل, وقصص بني اسرائيل في بلاد القبط اضافة الى القصص الديني اليهودي الذي بان أن معظمه نسخة عن قصص الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين السابقة لليهودية..
فمتى سيسمح لها بالعمل في مناطق أخرى من بلادنا, وطبعا بعد أن نتخلص من فوبيا "المؤامرة".
-----------------------------------------------------------------




Leave a Reply.