اننا في كل لحظة من لحظات وجودنا على اتصال بهذا الواقع الذي نحن فيه, ويترك هذا الواقع آثاره فينا, سواء التفتنا لذلك أم لم نلتفت
لكننا نجد أننا في كثير من الأحيان نختلف على فهم ما للاتصال بواقع ما مع اتفاقنا على حصول الاتصال..
وحيث أن هذه الوقائع هي موجودة خارجيا وبآثارها الخاصة المتعينة ومستقلة وبمعزل عن أذهاننا , فهذا يعني أن ما تتركه فينا من آثار هو مخصوص ايضا بتخصصها.
فكيف يحصل هذا الاختلاف في الفهم لحقيقة هذا الاتصال عندما يكون منوطا بواقع  معين واحد؟
كيف يتم فهم الاتصال؟
أن الفهم للاتصال يتوقف على نفس آثار الاتصال المنعكسة وعلى القبليات
  فكما أن الآثار الواقعية وكميتها وتنوعها تحدد الفهم فكذلك الحال بالنسبة للقبليات, فلها أيضا دور في الفهم...
ولست هنا في مورد تناول الجهة المرتبطة بنفس الاتصال وكمية الآثار المتلقاة عند المتصل ودورها في فهم الانسان.
بل في عملية الفهم لحقيقة ما تم الاتصال به وارتباط هذا الفهم بالقبليات الخاصة
لان هناك ثمة علاقة مترابطة بين هذه العناصر الثلاثة: الاتصال, القبليات والفهم.
ان حصول الاتصال مع عدم وجود قبليات يعني عدم وجود فهم للاتصال...
ولكن على الاقل فان الواقع يخبرنا عن وجود مثل هذه القبليات ولو المشتركة البديهية منها.
ولكن قد يوجد اتصال وتوجد قبليات لكن من دون أي يوجد فهم لهذا الاتصال, وهذا ممكن الوجود ولكنه أكثر ما يكون في المواضيع التي لا تعتمد على القبليات المشتركة البديهية.
ومن القبليات البديهية المشتركة كقضايا: النقيضان لا يجتمعان, الكل أكبر من الجزء, لكل معلول علة, الخ الخ
لكن أكثر ما يحصل الاختلاف في فهم الاتصال هو حين يكون الموضوع مرتبط بالقبليات الخاصة المختلفة باختلاف واقع أفرادها.
والقبليات الخاصة قد  تكون قبليات صوفية, فلسفية, نقلية, سيكولوجية, ايزوتريكية, باراسيكولوجية, عاداتية, كلامية,  الخ الخ
من أجل أن نفهم الاتصال يجب أن تمر تجربة الاتصال بمراحل عديدة
فاي اتصال واقعي هو يترك اثرا وهذا الاثر يصبح في مملكة الانسان
هو ذا الان في هذا العالم الانساني ....
انه الانسان الذي يأبى الا أن يعي ما انعكس عنده...
وتبدأ الرحلة من الاثر الواقعي المنعكس الى عنونة الفهم الخاص له, وقد تكون رحلة طويلة وقد تكون قصيرة, وقد لا تصل الامور الى خواتيمها...
فاذا كانت رحلة الوعي لآثار الاتصال والمبنية على قبليات مشتركة بديهية سهلة لواقعية البديهيات نفسها وتماسها مع الواقع ولاتفاق الناس عليها وجبلتهم عليها في حركتهم اليومية, فان القصة الثانية المبنية على القبليات الخاصة مختلفة...
ان القبليات الخاصة ليست الا قضايا قد حكم بها صاحبها في مملكة نفسه ويأخذ على اساسها مواقفه.
وهذه القبليات الخاصة هي ابنة العوامل الخاصة المرتبطة بالانسان من نفسية, ثقافية, عاداتية, طبيعية, الخ الخ وبما تتناسب مع واقع العصر الذي يكون هو فيه وقد تكون هذه القبليات أعم وأوسع شمولا من عصره.
فالانسان عندما يتصل بواقع ما سيفهمه بناء لقبلياته الخاصة ابنة واقعه الزماني والمكاني الخاص..
فهذا الأثر الما المنعكس من الاتصال بواقع ما سينطلق هو في فهمه له بناءا لقضاياه القبلية التي يؤمن بحقانيتها
ولو انعكس نفس هذا الأثر عند انسان آخر ابن ظروف أخرى زمانية ومكانية سنرى فهما مغايرا من هذا الانسان المغاير له لأن قضاياه القبلية هي مختلفة..
فحكماء أهل الشرق الأدنى فهموا الاتصال بالحياة بخلاف ما فهمه اهل الشرق الاقصى أو أهل الجنوب الأوروبي أو أهل الاسكيمو أو أي منطقة اخرى وخلاف ما فهمه من يطلق عليهم اسم الشعوب البدائية من عراة غابات الكونغو الاستوائية او الأمزون
ففي زمن النبوات ما عرف أهل الصين والهند أنبياء رغم اتصال كثيرين منهم بهذه الحياة
وكذا هو الحال عند أهل اليونان او أهل جنوبي ايطاليا الذين عرفوا الحكمة والحكماء
فلم تترك آثارهم المكتوبة ولا الآثار الاركيولوجية أي اشارة للنبوات
فما فهم أحد ممن اتصل بهذه الحياة أنه نبي بل تبنوا ما فهموه من قبلياتهم الخاصة وما هو منسجم مع واقعهم الخاص.
فهذا الاثر المنعكس عند الانسان في هذا الواقع هو يتم عرضه على القبليات الخاصة فيفهم بناء لها, ويكون الحكم في المملكة الخاصة على أساسها
فاثر ما منعكس في انسان ما في ذلك الواقع هو دلالة على كونه حكيما أو قائدا منقذا أو محيي أمجاد سلالات الاجداد المقدسين أو اي عنوان آخر
وفي المقابل فان أهل الشرق الأدنى قد عرفوا عنوان النبوة وعاشوا في ظلاله, لذلك ففي اتصال كثيرين منهم بالحياة كانوا يفهمونهه بعنوان النبوة  وتوابعها لا اي عناوين أخرى كتلك التي عرفها واقع آخر مختلف ...

ففي قبلياتهم الخاصة كقضايا يعتمدون عليها, يفهم هذا الأثر المنعكس عندهم أنه من دلالات النبوة أو الوحي وما شابه, لا دلالات عناوين اخرى...

فنجد أن عنوان الحكيم أو الفيلسوف لم يلق رواجا في الشرق الادنى وان وجد لبقي صاحبه محاصرا ومتجاهلا لا بل في كثير من الأحيان متهما!

اذا هي حالة الاتصال بالواقع أنتجت عناوين مختلفة نتيجة فهم مختلف لهذه الآثار والمنطلقة من قبليات خاصة...

 

اذا هو الاتفاق على حصول الاتصال وانعكاس آثاره, والاختلاف على عنونته بناءا للقبليات




Leave a Reply.