مقدمة
---------

ان دراسة تاريخ الحجاب للمرأة مرتبط بدراسة تاريخها الانساني الخاص ضمن الدراسات التاريخية العامة.
فبعيدا عن متبني نظرية الجبر التاريخي وان لا دور للانسان في صناعته - ويمكن تلمس الرائحة الدينية الحشوية تفوح  من عدد كبير من متبني هذه النظرية - فان كثيرا من الباحثين يعتبرون أن الاصالة في حركة التاريخ هي للانسان, فالانسان هو صانعه, بينما ذهب آخرون الى تبني راي وسطي قال بوجود سنن وقوانين تحكم التاريخ ولكن لا تتعارض مع اختيار الانسان وحريته وارادته.
فاذا كان الانسان هو من يصنع التاريخ وحيدا أو تحت ظل قوانين وسنن ما  فان للمرأة كونها انسان ومشاركا للرجل في مسيرته عبر العصور دورا فاعلا في هذه الصناعة بغض النظر عن موقعها أو هامش نشاطها فيه أو عن نظرة التاريخ الماضي اليها أو حتى نظرة العصر الحديث اليها
ان موضوع المرأة وتاريخها لم يحظ بذلك الاهتمام الا حديثا.
فالواقع الجديد الذي بدأت تعيشه المرأة لسبب أو لآخر قد ساهم في تسليط الضوء على واقعها ودورها وبالتالي على تاريخها.
ان مطلق نظرة بسيطة للتاريخ الاجتماعي للانسان وما رافقه من نظم وقوانين تظهر وبوضح تام الهيمنة الذكورية على المرأة والاستلحاق المطلق  
لا يستطيع احد أن يعطي فكرة واضحة  عن حقيقة وتاريخ المنعطف في الوجود الانساني والذي أدى الى اللاتكافىء في التعاطي بين الرجل والمرأة والذي جعل المرأة في هذا الموقع المتدني عن الرجل تاريخيا رغم تعدد النظريات فيه من دينية( ك خلقت من ضلعه, الخطيئة الأولى, ...) وغير ذلك( كالبنية الجسدية ودوره في حماية القبيلة في المجتمعات البدائية , ...)
ولماذا رضيت المرأة بهذا الواقع ان حصل هذا أو ماذا فعلت كردة فعل ان لم تسكت عنه.
ان الذكورية الانسانية ومن خلال هيمنتها على مسار الاحداث وحركتها والذي ساهم بتهميش المرأة قد انعكس ايضا على التدوين وهذا قد ساهم سلبا بقصد أو من غير قصد باخفاء الواقع التاريخي الذي عاشته المرأة.
واللافت هو عدم وجود أو ندرة وجود نقليات عن واقع المرأة السابق قد كتبت بيد أنثوية الأمر الذي يصعب من المهمة الملقاة على عاتق الباحث الذي لن يجد أمامه الا نصوصا بنفس ذكوري استعلائي ستظهر شاء أم ابى, فهو ليس الا ابن واقعه الخاص وتربيته الخاصة وابن كل زمان مع ما هو واقع الذكورة والأنوثة فيه.
الا أن الندرة من الأخبار المذكورة في النقليات وخصوصا الدينية منها والتي ذكر قسم كبير منها في موقع النقص المحتاج الى التقويم اضافة الى الاكتشافات والفتوحات العلمية التي ساهمت بانتاج علم الآثار- الذي يعده البعض فرعا من الانثروبولوجيا- الذي يدرس حياة الماضين من خلال دراسة مخلفاتهم باتت قادرة على اعطاءنا صورة ما عن هذا الواقع التاريخي للمرأة.
ومن خلال البحث يظهر أن وضع المرأة ومنذ الحضارات القديمة التي نعرفها حتى الان كان سيئا ودنيويا مقارنة بوضع الرجل.
فلم تكن النظرة الى المرأة الا نظرة نقص وضعف وعار وغيرها من مصطلحات السلبية التي جعلتها ضحية عبر العصور
وهذا ظهر في نظرة المجتمعات اليها عند السومريين, الأكاديين, البابليين, الآشوريين, الكلدانيين, المصريين(ولو انها تمتعت بحرية اكبر) الفرس, اليونايين, الرومان, الصينيين(الا عند شعب الموسو), وعند الهندوس وغيرهم..
ولا ينبغي الخلط في الحكم من خلال عبادة الهة أنثى وتقديسها في مجتمعات ما وواقع المرأة في نفس المجتمع, فالنظرة في المجتمع اليوناني للمرأة كانت دونية في الوقت الذي عبد فيها اليونانيون الهة الحكمة "أثينا" ابنة الاله "زيوس" وبنوا لها أكبر معبد في تاريخهم "البارثينون" على هضبة الاكروبول.
وكذا الامر عند المصريين الفراعنة ومن تبعهم فمجرد وجود فراعنة نساء او حكام نساء كحتشبسوت, نفرتيتي, كليوباطرا وغيرهم لا يعني ان نساء تلك المجتمعات كن في وضع مثالي, رغم أن واقع المرأة في الحضارة الفرعونية كان مميزا عن غيرها من ناحية الحرية وما يتفرع عنها الى درجة أدهشت المؤرخ اليوناني هيرودس ابو التاريخ خلال زيارته لهبة النيل كما وصفها.
ثم  استمرت هذه النظرة اليها في ما يسمى بالديانات الابراهيمية السماوية ولكن مع نفس جديد الهي مقدس.
ولا زالت هذه المعاناة مستمرة ملاحقة المرأة تحت ستار الدين وتأثرا بفلسفة النقص والخطيئة المبنية على نصوص دينية بحيث لا يستطيعون أن يطلوا على المرأة الا من خلال واقع واقع واحد هو واقع النص المقدس المزعوم

ومن خلال المطالعة في المصادر التاريخية والنقلية الاخرى والآثارية يظهر لنا وجود علاقة بين واقع المرأة والحجاب.
لقد كان لهذا الحجاب رمزية ما ترتبط بواقع هذه المرأة وبكيفية التعاطي معها في مختلف العصور...
والحجاب المقصود هنا في هذا البحث هو غطاء الرأس لا المعنى اللغوي للحجاب من حجب اي ستر أو منع أو ...
فالحجاب لم يعرف في المجتمعات الانسانية البدائية كالتجمعات الهندية في غابات الأمزون أو التجمعات في أدغال وصحاري القارة السمراء افريقيا, بل بدا بالظهور مع التجمعات الحضارية الأولى والتي كانت بمعظمها مجتمعات وثنية 
أما مسألة نشأة فكرة الحجاب ومتى بدأ, وما هي الظروف القانونية, الاجتماعية, والتاريخية التي ساهمت في ظهوره فهي لا تزال موضع دراسات
فاذا راعينا التراتب الزماني فان الحجاب قد انتشر أولا في بلاد ما بين النهرين حيث ظهر في أقدم الحضارات وهي الحضارة السومرية واستمر لاحقا مع الحضارات الاخرى التي تلتها وبشكل ملفت جدا مع الآشوريين قبل أن ينتشر مع التوسعات التي قامت بها تلك الدول
كذلك نجد انتشارا له في جنوب أوروبا المتوسطية مع اليونانيين والرومان
كما عرفته الشعوب العربية القديمة سواء تلك التي جاورت الشعوب الاخرى التي عرفت الحجاب في الشمال أو حتى تلك التي كانت في قلب الصحراء وجنوبها
فالحجاب ومن هذه المجتمعات والدلالات الخاصة له عندها,انتقل الى ما يسمى بالأديان السماوية الابراهيمية مع دلالات جديدة خاصة به أسقطت عليه.
أما بعيدا عن بلاد ما بين النهرين وجنوب اوروبا فلم تعرفه الشعوب الاخرى الا في مناسبات معينة كما كان يفعل الصينيون في تقاليد الزواج 
-ولم تظهر اي دلالات تشير الى معرفة الشعوب القديمة الاخرى -البعيدة عن منطقة الشرق الاوسط وجنوب اوروبا للحجاب كما هو الحال عند شعوب المايا(أميركا الوسطى والمكسيك), الانكا(أميركا الجنوبية) والازتك(المكسيك) وعند شعوب أخرى في آسيا وأوقيانوسيا
  وفي المقالات القادمة سيظهر مدى تاثر المجتمعات المحيطة ببلاد ما بين النهرين وجنوب اوروبا بهذه العادة من خلال التوسعات والاحتلالات والسبي وخصوصا المجتمعات المعنية بنشأة ما يسمى بالديانات الابراهيمية


ولعل المقالات ستحوي اجابات على كثير من الأسئلة التي تراود الكثيرين ولو كانت بمضامين متشابهة
هل الحجاب مرتبط فقط بالايمان بدين؟
هل الحجاب مرتبط بالأديان الابراهيمية؟
هل الأديان هي من اتت بالحجاب؟
ما هي الرمزية الدينية للحجاب؟
هل الحجاب مرتبط بحركة المرأة الدينية على الأرض؟
هل هو مقدس لارتباطه بوجود من تلبسه أم هو مقدس لسبب آخر؟
هل الحجاب من أجلها أم من أجل غيرها؟
هل هناك شيء اسمه حجاب اسلامي؟
ما هو مصدر القوة لهذا الحجاب الاسلامي؟
هل العلاقة بين الدين والحجاب علاقة توفيقية أم لزومية؟ هل كان الحجاب عرفا او استحسانا اجتماعيا؟
هل كان الحجاب دلالة عفة؟
هل كان الحجاب من أجل التمييز الاجتماعي الطبقي الطولي(حرة,جارية) أو حتى العرضي(متزوجة,عزباء- شريفة,عاهرة)؟
وغيرها من الاسئلة

 

 والمقالات القادمة ستكون على الشكل التالي: 

الجزء الأول:  تاريخ ودلالة الحجاب عند شعوب بلاد ما بين النهرين ومصر

الجزء الثاني: تاريخ ودلالة الحجاب عند اليونانيين 

الجزء الثالث:  تاريخ ودلالة الحجاب عند الرومان الوثنيين

الجزء الرابع: تاريخ ودلالة الحجاب عند الاسرائيليين اليهود

الجزء الخامس:  تاريخ ودلالة الحجاب عند المسيحين

الجزء السادس: تاريخ ودلالة الحجاب في عند العرب قبل الاسلام

الجزء السابع: تاريخ ودلالة الحجاب في الاسلام

 
  في الجزء الأول وصلنا الى عام 4 هجري, أحداثا وآياتا, تخص التعاطي مع الاخرين المختلفين مع المسلمين عقيدة وأداءا 
وفي هذا الجزء الثاني والاخير سنتابع الاحداث مع عرض للآيات الخاصة بالسلم والصفح والاخرى الخاصة بالسيف والقتل, ابتداءا من عام 5 هجري وحتى آخر حياة النبي
بعدما انتهى النبي من وجود بني النضير اليهود في المدينة عام 4 هجري, حصلت بعض الغزوات الصغيرة كغزوة ذات الرقاع,و بدر الآخرة
ثم دومة الجندل في ربيع الأول 5 هجري والتي في اعقابها ضم محمد زينب بنت جحش زوجة ربيبه زيد الى مجموعة نساءه سودة بنت زمعة, عائشة, حفصة وأم سلمة..
ثم اختتمت السنة ال5 هجري بغزوة الأحزاب المعارضة للنبي على المدينة في شوال والتي باءت بالفشل الذريع في موقعة يلفها الغموض ولا تجلي هذا الغموض نقولات أهل السير
في هذه الفترة كانت السور المدنية تتنزل ومنها سورة التغابن والتي تشبه السور المكية رغم أنها تعنى بالتشريع, وهذه السورة نزلت بعد التحريم والتي نزلت على المشهور حين دبرت عاشة وحفصة زوجتا النبي المكيدة بخصوص عسل المغافير الذي كان النبي يأكله عند زوجته زينب بنت جحش
وفيها: وأن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم
ولكن ما نقل في تفسيرها عن ابن عباس يبين أنها خاصة وليست عامة 
فهي نزلت في الذين منعهم أهلهم عن الهجرة لما هاجروا ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا أهليهم الذين منعوهم فنزلت الآية داعية اياهم للعفو, الصفح والمغفرة
هذه الغزوة والتي كانت من نتائج ما ترتب عنها غزوة يهود بني قريظة والمذبحة التاريخية التي حصلت بحقهم بعد استسلامهم وبعدما وافق حكم سعد بن معاذ حكم الله من فوق سبع سماوات وكان ذلك في ذو القعدة او ذي الحجة فكان اعدام ما بين 800 الى 1000 من الاسرى العزل بينهم حي بن أخطب اضافة الى سبي النساء والذراري من غير البالغين بعدما صدر الامر بقتل كل من أنبت منهم.
ومن بين النساء السبايا اختار محمد ريحانة والتي فضلت برفضها اعلان اسلامها ورفضها الزواج ان تبقى أمة مملوكة على يهوديتها على أن تنضم لنساء النبي
وفي السنة ال6 هجري اغتال المسلمون سيد خيبر اليسير بن رزام وحصلت غزوة بني لحيان وغزوة المريسيع الناجحة ضد بني المصطلق القبيلة الغنية بالابل والتي كان من ثمارها زواج محمد من ابنة سيد القبيلة المهزومة جويرية بنت الحارث بن ضرار ابنة ال20 عاما والتي ما كان يراها أحد الا أخذ بجمالها!
ومع هذه الغزوة أيضا حصلت حادثة الافك الشهيرة وفق الروايات السنية..
ثم كان قدوم محمد مع أصحابه للحج في مكة وقبل الوصول اليها كانت بيعة الرضوان تحت الشجرة التي كانت بيعة قرار اقتحام مكة مقدسة العرب لولا أن ظهر أن عثمان بن عفان لم يقتل فيها وهو من كان محمد قد أرسله ليتفاوض مع ساداتها لكي يسمحوا للمسلمين بدخولها من أجل الحج..
اذا هذا هو واقع الحال قبل صلح الحديبية..
فما العنوان الاكبر الذي ظلل هذا الصلح؟
انه اعتراف قريشي بدولة محمد الجديدة... وتوقيع هدنة لمدة 10 سنوات...
تلك الهدنة التي سينقضها المسلمون بعد عامين فقط فيجتاحون مكة لذريعة أو أخرى
ومن الممتحنة التي نزلت عقب صلح الحديبية عام 6 هجري نجد:
لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *
إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُون... الممتحنة 8 و 9
  , اذا هي آيات تنسجم مع هذه المرحلة ومع بنود الصلح
  ويفهم ذلك كل من قرأ بنود صلح الحديبية بعينين واقعيتين بعيدا عن العنتريات الاسلامية
ثم نزلت سورة النساء بعد 6 هجرية سنة الصلح هذا وقبل فتح مكة
ففي النساء: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً..  النساء90
وهناك من قال انها نسخت بآية " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" ومنهم عكرمة, الحسن, قتادة وابن زيد
لكن على الأقل ان صح النسخ فان مفعول هذه الآية استمر لعام 9 هجرية سنة نزول سورة التوبة أو براءة..
و في النساء ايضا: فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا ... النساء 89
وفي صلح الحديبية شلت يد قريش عن التعرض للمسلمين بمقتضى الهدنة, وباتت الساحة  خالية للنبي كي يتابع صولاته وجولاته في باقي شبه الجزيرة ضد القبائل المناوئة وأمام أعين قريش التي لن يمكنها حتى أن ترسل المساعدات المالية ...
فانتهى ما بقي من قبائل اليهود على يد المسلمين في خيبر, فدك, تيماء وأم القرى وكان ذلك عام 7 هجري. بعد سنة واحدة من الصلح..
ثم كان فتح مكة في 8 هجري, بعد سنتين من صلح الحديبية.. نقضه المسلمون.. نقضه محمد.
غزا محمد مكة عند أول ذريعة, قتلت بنو بكر حلفاء قريش رجلا من بني خزاعة حلفاء محمد, فهل كان على بني بكر أن تسكت على قتل خزاعة لثلاثة من رجالها ولا تأخذ بالثأر, حتى لا ينقض محمد الصلح ويجتاح مكة..
  وهو ما فهمه أبو سفيان الذي حاول جاهدا افهام محمد عندما زار المدينة بهذا الصدد ان الامر لا يعدو رد ثأر لمقتل ثلاث رجال..
لكن هي أول ذريعة كان ينتظرها النبي!
وتم اجتياح مكة بجيش جرار تلمع سيوف الكتيبة الخضراء فيه, وما كان من أبي سفيان بعد اطلالته الحزينة على هذا الجيش من مرتفع وبعد نصيحة العباس عم النبي وبعدما فهم من النبي أن ليس بينه وبينه الا الذبح الا أن يخبر أهل مكة أنه آن الأوان للخضوع لسيد العرب الجديد.. دون اراقة الدم في هذه المدينة المقدسة...
فلئن كان محمدا غير مبال بذلك, فنحن مبالون... ولا طاقة لنا بجيش السيد العربي الجديد.. انه لسان أبي سفيان
ثم استكمل النبي سيطرته باخضاع قبائل هوازن, ثقيف وجشم في حنين فهرب من بقي منهم الى الطائف.. وهناك تم الحصار لهذه المدينة السياحية وتم حرق مزارعهم ودك المدينة من خلف الاسوار بالمنجنيق الذي أتى به المسلمون من عند الدوسيين بعدما دفعوا اثمانه مالا, بعيرا, ونساءا سبايا
كما نزلت سورة المائدة  بعد فتح مكة أيضا, وهي كما يقول كثيرون(عائشة, عبد الله بن عمر وكثير من الشيعة) انها هي الأخيرة التي نزلت وان لم يصح ذلك الا أن أحدا لا ينكر أنها من اواخر ما نزل من السور اضافة للفتح (ابن عباس والصادق) وهي المؤكد نزولها بعد فتح مكة والتوبة(البراء بن عازب وأبي بن كعب وبعض الروايات الشيعية وبعض الروايات السنية عن الامام زين العابدين)
وفي المائدة نجد: انما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ... المائدة 33. 
وفيها نجد: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ 
ولتجدن أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى ذلك بأن منهم   قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ .. المائدة 82
ولكن في المائدة نجد أيضا: فاعف عنهم واصفح ان الله يحب المحسنين ... المائدة 13
وفيها دعوة للصفح عن اليهود في غدرة غدروها أو نكثة عزموا عليها ما لم ينصبوا حربا دون أداء الجزية 
اذا هذه الآيات نزلت بعدما دانت معظم شبه الجزيرة للنبي, اذ أن الطائف دخلت أيضا في سلطته بعد قدوم وفد هوازن للمصالحة..
دانت قبائل العرب ودانت اليهود ولم يكن للمسيحيين من سلطان..
ولم يبق خارج الخضوع له الا بعض قبائل الاطراف وبعض قبائل اليمن ونجران.. 
ثم جاءت سنة 9 هجري ... ونزلت سورة براءه او التوبة.. انه سورة نزلت أواخر حياة النبي وقبل أن يغادرها باقل من 2 سنة
وهي السورة التي ليس فيها البسملة وما تحويها من رحمانية ورحيمية
  وهي من أواخر السور التي نزلت على النبي وعند البعض آخر سورة نزلت
اذا هذه السورة بما تحويه من آيات السيف والدم قد نزلت بعدما دان من بقي في شبه الجزيرة للنبي وأعلنوا الطاعة, بحيث صارت قوة المسلمين هي القوة العظمى..
  فهذه السورة نزلت بعد الغزوة اليوتيوبية تبوك والتي لم يعرف فيها الرومان رغم أنها كانت ضد الرومان, لكن لها الاثر الكبير المدوي اعلاميا في شبه الجزيرة ان من حيث نشر دعاية هروب الرومان أمام الجحافل المحمدية وان من خلال العدد الكبير لجيش محمد فيها والذي لم يشهده العرب في تاريخهم قبلا في هذه البقعة من الأرض والذي كلف تمويله باهظا لدرجة أن هذه الغزوة سميت بغزوة العسرة لهذا السبب مضافا لاسباب اخرى!
سورة التوبة أو براءة هي التي كان أبو بكر قد ذهب لتبليغها للناس ثم استبدله النبي محمد بعلي وفيها نقض العهد مع غير المسلمين ممن يسمونهم مشركين حيث قد تم منعهم من الحج والاقتراب من المساجد!!
  "ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله"
  " يا ايها الذين آمنوا انما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا"
رب قائل قد يستغرب من أنه كيف يكون هؤلاء مشركون وهم يقربون المساجد, وذلك للصورة السيئة التي طبعها المسلمون على خصومهم عبر التاريخ...
لكن الحقيقة ان كثيرا من هؤلاء كانوا  لايزالون على دين الحنيفية دين اسماعيل وكانوا يصلون ويصومون ويحجون وغير ذلك, ولكن كان عندهم مشكلة مع قبول نبوة النبي محمد وكانت مشكلة محمد هي مع شفعائهم أو وسائلهم التي يتقربون بها الىالله وهذا الذي ترجمه أحدهم قائلا: والله اننا نعرف أن الحنيفية حق ولكن في النفس شيء منك يا محمد.

,سنعرج على مجموعة من الآيات في سورة التوبة أو براءة.

برَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”...

قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ

قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ

هي من أواخر ما نزل من الآيات, لذلك قال كثيرون أنها نسخت آيات الصفح والسلام

ولئن صح ذلك أم لم يصح, ولا سبيل يقيني الى ذلك ابدا الا أن خاتمة القرآن أن تكون بهكذا آيات لشيء يستحق التوقف عنده, وهو القرآن الذي بدأ بالعلق وفيها "اقرأ" ثم تبعتها سورة القلم..

وسنة 10 هجرية قدمت, وهي ما سميت بسنة الوفود لكثرة ما وفد على النبي من مقدمين للطاعة لسيد العرب الجديد والأول الموحد لشبه الجزيرة

ومن سيرة محمد مع بني الحارث بن كعب من أهل نجران الذين قدموا اليه الولاء في هذه السنة اثر سرية خالد بن الوبيد والذي وصاه محمد قبل سيره اليهم: " وان استجابوا فاقبل منهم, وان لم يفعلوا فاقتلهم" ومن كلامه معهم بعدما قدموا اليه:  لَوْ أَنَّ خَالِدًا لَمْ يَكْتُبْ إِلَيَّ أَنَّكُمْ أَسْلَمْتُمْ وَلَمْ تُقَاتِلُوا لأَلْقَيْتُ رُءُوسَكُمْ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ

من هذا الكلام كله والأداء تتملكنا الريبة والاضطراب والاستغراب

انها خاتمة قرآنية, وخاتمة سيرية تظلل الحركة المحمدية المدنية بعدما تظللت المكية بآيات السلام والصفحية

--------------------------------------------------------------------------------------

 
في القرآن محكم ومتشابه, عام وخاص, مطلق ومقيد, ومبين ومجمل
وفي القرآن ناسخ ومنسوخ وعلى ثلاثة انواع اهمه بالنسبة الينا ما نسخ حكمه وبقيت عبارته ففي القرآن آيات موجودة لكن أحكامها منسوخة بآيات أخرى
والنسخ عبارة عن رفع حكم شرعي واحلال آخر مكانه وبناء للفكر الديني الكلاسيكي لا يمكن أن يكون هناك نسخ بالاجتهاد أو بالعقل كما يقولون
والنسخ بناء للفكر الديني التقليدي لا يتماهى مع الواقعية ولا يعرف لهذا العنوان طريقا رغم ان الواقع قد اثبت بذاته أنه ناسخ,ووضع كثيرا من الاحكام في مهب الرياح
فالنص لا ينسخه الا نص عندهم, والآية لا تنسخها الا آية(شيعيا على المشهور) وتنسخها آية ورواية(سنيا)
اذا في القرآن ناسخ ومنسوخ ولا نعرفه كله, فقد نتبرك بكثير من الآيات المنسوخة والتي لم تعد أكثر من زخارف كون أحكامها قد ولت الى غير رجعة والغير رجعة هذا لمن يريد الالتزام بما اعتاد عليه المسلمون من التعاطي مع الناسخ والمنسوخ وليست لمن يبحث عن واقعية اي آية ويعمل بها سواء نسخت أم لم تنسخ وبحيث يكون واقع ما هو المحدد لنسخها من عدمه
فنحن اليوم لا نملك معطيات كاملة عن كل الناسخ والمنسوخ, بل معطيات تخص بعض الآيات وطبعا وكعادة المسلمين على اختلاف فيها
فهذا يقول هذه الآية نسخت
  , وذاك يرفض هذا الكلام
  ونتج عن اختلافهم في الناسخ والمنسوخ اختلافهم في كثير من الاحكام والتي منها التعامل مع غير المسلمين
والنسخ لآيات انما يتم ويحصل لانتهاءالظرف الخاص الذي نزلت فيه الآيات ولحدوث واقع جديد يستلزم آيات جديدة
ولأننا لا نستطيع ولا غيرنا أن نعرف الناسخ من المنسوخ يقينيا الا ببعض الموارد القليلة, فاننا سنعمد فقط الى جمع الآيات المتقابلة بخصوص التعاطي مع الاخرين المختلفين عنا فكريا, أو سلوكيا
وسنعمد بعد جمع ما تيسر الى وضعها في سياقها الذي نزلت به وكل ذلك في السياق العام لأحداث السيرة النبوية
ففي القرآن في هذا المجال آيات تشع علينا ألوانا مختلفة 
  • منا من يستلذ بكل ألوان الطيف ما يشع بالصفح والسلام وما يقطر دما من السيف
  •  ومنا من لا يستسيغ آيات قطع الرقاب وقتلا بكل كيف
وحاولت جاهدا الربط بين تاريخ نزول الآيات وسياق الاحداث التي تناقتها كتب السير والتاريخ والحديث والمغازي لنحاول أن نفهم الظروف التي نزلت فيها الآيات ونرى ايضا كيف انعسكت في واقع المسلمين وأداءهم وكيف تعاطى المسلمون مع غيرهم في وجودها...
وعند اطلالتنا على الواقع المتغير وتغير نفس الآيات نستطيع أن نحكم بشكل أفضل على الآيات المتقابلة ويحصل لدينا فكرة عن دلالاتها وظروف نزولها وأحكامها
ولكن هذا لا يعني أن تكون بعضها ناسخة لبعض
فليس الهدف هنا هو اثبات النسخ من آيات لآيات بل فقط الاطلالة على الواقع الذي نزلت فيه هذه الآيات وكيفية تعاطي المسلمين مع غيرهم على اساسها
ومن الآيات الصفحية, السلامية, والتي تعطي الخيار للناس في الاتباع  آيات في سور مكية وهي آيات تنسجم مع الآيات التي تمدح أهل الكتاب وتتناول قصص الانبياء من بني اسرائيل
فلنستمتع معا بصفحية وسلامية الآيات المكية: 
لكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ... الكافرون 6
فاصفح عنهم وقل سلام....الزخرف 89
فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ .. الغاشية 21
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ....النحل 125
ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ....العنكبوت 46
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ .. الاحقاف 35
وفي سورة يونس وهي من اواخر السور التي نزلت في مكة ونزلت بعد الاسراء ان صح توقيت الاسراء سنيا كون الشيعة يرجعون الاسراء الى سنة 2 من البعثة لعله من أجل أن يحافظوا على رواية انعقاد نطفة فاطمة من ثمار الجنة وهي التي ولدت في السنة ال5 من البعثة وفق المصادر الشيعية 
أما أرجحية التوقيت السني لحادثة الاسراء فهي لوجود بعض الآيات في السورة والتي تنسجم مع أحداث في سيرة النبي في السنوات الأخيرة لوجوده في مكة وهي ترتبط بسبب الاسراء نفسه وأسباب نزول السورة
ففي هذه السورة - يونس:
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين…يونس 99
قل يا ايها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل....يونس 118
وهذه آيات في سور مكية و نزلت في مكة قبل قيام الدولة المحمدية, سواء في مراحلها الاولى ام عند اشتددها
والآيات المكية الترهيبية انما كانت ترهيبية أخروية تهدد وتتوعد بعذاب أخروي لا سيف فيها ولا سبي ولا طرد
ولنحمل أغراضنا سوية ولنهاجر معا الى المدينة
فاذا شدينا الرحال الى الآيات المدنية سنجد أن هناك آيات أخرى لا تزال فيها رائحة القبول للاخرين ملموسة وهي مدنية
ومنها ما هو في سورة البقرة التي نزلت في السنة ال1 هجرية
فما هو واقع المدينة في السنة الأولى الهجرية...
في هذه السنة الأولى باءت محاولات المسلمين في اعتراض قوافل قريش بالفشل الذريع كما حصل في سريتي حمزة بن عبد المطلب وسعد بن ابي وقاص وغزوات ودان, بواط ,العشيرة, ووادي صفوان...
فقد كان هناك معاهدة بين النبي وغير المسلمين وبشكل خاص اليهود في المدينة بمقتضى الوثيقة الشهيرة..
المعاهدة التي كان من بنودها اقرار الحريات الدينية والعمل على وحدة جامعة في المدينة هي وحدة القومية من خلال الأسوة والنصرة لمن اتبع من غير المسلمين للمسلمين.
فللمسلمون دينهم ولليهود دينهم.. وعلى اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم.
ويومها كان النبي لا زال يصلي الى بيت المقدس كما أمر وقت اسرائه مخالفا تاريخ الحنيفية الاسماعيلية منذ اسماعيل وأبيه..
في هذه السنة الأولى من الهجرة نزلت سورة البقرة وهي على المشهور أول سورة مدنية اذا صح أن المطففين هي مكية
فما هو لون الآيات المدنية في البقرة؟
ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون....البقرة 62
قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.. البقرة190
لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ... البقرة 256
يا ايها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان....البقرة 208
هي آيات تنسجم مع واقع المدينة ووضع المعاهدة فيه ذلك الوقت
فهذه آيات نزلت قبل الانتصار المدوي الأول في معركة بدر وهي أول معركة كبيرة جدية قوت سواعد المسلمين وقد حصلت عام 2 هجري..
ولذلك نجد في سورة الأنفال وآل عمران اللتين نزلتا بعد البقرة  وبعد انتصار بدر آيات تتكلم بلهجة أخرى
ففي الأنفال التي نزلت مباشرة بعد غزوة بدر-2 هجري نجد الآية:
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ...الأنفال 12
وفيها ايضا آية أخرى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ...الانفال61
هذه الآية تدعو الى الجنوح للسلم بجنوح الاخرين له لكن قد نقل عن ابن عباس, مجاهد, زيد بن اسلم, عطاء الخراساني, عكرمة, الحسن وقتادة أنها منسوخة بآيات السيف في سورة براءة النازلة آخر حياة النبي عام 9 هجري
اذا كان مفعول هذه الآية بحسب رجالات المسلمين الأوائل من الصحابة والتابعين سار من سنة 2 هجري حتى 9 هجري
وبعد بدر سنة 2 هجري - رمضان بدأ الجدل الديني مع النصارى واليهود في المدينة والذي توج لاحقا آخر هذه السنة أو في بداية السنة 3 هجرية بغزوة القبيلة اليهودية في المدينة بني القينقاع القبيلة المشهورة بالقصور والغنية بالذهب والسلاح وذلك بعد أن رفضت اسلامها
فخاطبهم النبي بعد اجتماع معهم في سوقهم: ""يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ:  احْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنَ النِّقْمَةِ ، وَأَسْلِمُوا ، فَإِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنِّي نَبِيٌّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ ، وَعَهْدِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ""
فحاصرهم ثم بعد استسلامهم صدر الامر بقتلهم جميعا اثر المشورات مع كبار المسلمين لولا التدخل من زعيم حلفاء بني القينقاع قبل البعثة الزعيم الخزرجي قائلا: أحسن في موالي, أأربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع تحصدهم في غداة واحدة, اني والله أخشى الدوائر!
وسجد بنو القينقاع شكرا للدوائر التي أنجت القبيلة من الذبح!!
فكان القرار بالطرد فقط بعد أخذ المال والسلاح والأرض وما عليها ..
وهذه سنة 3 هجري قد أطلت وهي التي شهدت الصراع الفكري والجدلي أيضا مع بني النضير القبيلة اليهودية الأخرى في المدينة والتي كانت تتوجس خيفة من المسلمين بعد أن رايت بعينيها حال أختها بني القينقاع فتوجه سيدها كعب بن الاشرف بزيارات لمكة قريش لم يخبرنا أهل السير عن فحواها لكنها كانت كافية لتثير الريبة عند النبي والمسلمين فكان قرار الاغتيال بيد فرقة الموت الأوسية يرأسها محمد بن سلمة وما صراع الانداد كان ليمضي دون أن تقدم الخزرج هدية للنبي كما فعل خصمها الاوس فكان اغتيال فرقة موت خزرجية لسيد خيبر اليهودي سلام ابن أبي الحقيق !
ثم كانت معركة أحد في السنة ال3 هجري والتي هزم فيها المسلمون وخاب فيها أمل قريش بعد أن أشاع ابن قميئة أنه قتل النبي فتركوا المعركة مزهوين بنصرهم ليكتشفوا لاحقا أن من مات هو شبيه لمحمد ليس الا مصعب بن عمير! 
فقد نزلت سورة آل عمران بعد معركة أحد سنة 3 هجري - شوال

وفي آل عمران: ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين....آل عمران85

ثم أطل ربيع الاول من السنة ال4 هجرية حاملا معه غزوة بني النضير محاصرا اياهم مقطعا ومحرقا نخيلهم بعد أن رفضوا الاستسلام ليسخروا منه قائلين: " يا محمد قد كنت تنهي عن الفساد وتعيبه على من يصنعه, فما بال قطع النخيل وتحريقها؟!"

فيسكت محمدا تاركا الاجابة لله عبر آية من سورة الحشر: " ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة فباذن الله"

ثم يكون لبني النضير نفس ما كان لبني القينقاع, الاستسلام وحقن دماءهم مقابل المال والسلاح والأرض وغادروا الى خيبر والشام..

وتتابع سورة الحشر حشر غير المسلمين قائلة:

هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار.. الحشر 2

ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار.. الحشر 3

فالآية واضحة .. اما جلاءهم عن أرضهم واما عذاب الدنيا الذي ليس الا دحرجة الرؤوس وسبي النساء واستعباد الاطفال

ومن يحب أن يأخذ فكره عن مصدر التسليط فسورة الحشر كفيلة بحشرك أمام خيار أوحد: الله يسلط رسله على من يشاء ... الحشر 6

ونعم بالله!

اذا هي آيات من وقع المناسبات كانت, تلاها علينا السيد العربي

ولئن كانت في السور المدنية التي كانت تتنزل بعض جهات الدعوة للسلم مع المسالمين من غير المسلمين الا أن الواقع التاريخي المنقول يقول أن شحا وتجفافا في آيات الحرية والاختيار قد حصل ولم يكن ليتمتع به أهله بالمجان

فاي حرب هي شيء عادي أن تتم عند النقض

ولكن اللاعادي هو الفرض للدين والا الطرد

طرد بعد أخذ الأموال والأرض وبعض العرض

-------------------------------------------------------------------------------------------

 
لسنا أصحاب الخيار في ظروف وجودنا, فلا أحد سألنا قبلا, ولا أحد أعطانا الحرية لنختار في اي بيئة نولد؟
لذلك فكل منا, يولد في بيئة ما, ويلبس ثوب هذه البيئة عاداتيا,دينيا وغير ذلك
أين نحن مما نحن فيه في ظل هذا الوضع؟
نحن انسان, وانسان يعني عقل, والعقل يعني الاختيار, الارادة والحرية.
أين عاقليتنا من لبسنا لثوب الاخرين, واين ارادتنا وأين اختيارنا واين الحرية!؟؟؟
فهل قرر كل منا ان يعيش انسانيته حقيقة؟
وليس عبر لقلقات لسانية صرفة
وهل الله طلب منا أن لا نعيش انسانيتنا
يعني هل الله خلق لنا الحرية والاختيار, ثم طلب منا عدم استعمالهم؟!!
بأن نسير كما وجدنا آباءنا يسيرون
اين نحن مما نحن عليه, هل نحن في يقين,ظن,شك أم وهم!؟؟
فما هي هذه العبارات التي قد تبدو للبعض طلسمات, او شعبذات, تماما كهذا الموضوع,


اليقين

هو  ينتمي لعالم البت  لعالم الجزم.
فيقولون عنه في المنطق: التصديق بمضمون خبر ما أو عدمه على نحو الجزم.
وفي اللغة كما في القاموس المحيط: يقن الأمر : علمه وتحققه. وفي لسان العرب: اليقين: العلم وازاحة الشك وتحقيق الأمر.
لذلك قال الراغب والفيروزأبادي: يقال: علم يقين ولا يقال: معرفة يقين, واليقين فوق المعرفة والدراية وأخواتها.
ورد في القرآن:
"وبالآخرة هم يوقنون"
وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
ان هذا لهو حق اليقين
وانه لحق اليقين
حتى أتانا اليقين
كلا لو تعلمون علم اليقين
وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون
ويقول علي بن ابي طالب:
وأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين
وأن النوم على اليقين خير من الصلاة في الشك
سلوا الله اليقين ، وخيرما دام في القلب اليقين ، والمغبوط من غبط يقينه

 الظن

أما الظن ففي المنطق يقولون: هو ترجيح مضمون خبر او عدمه مع تجويز الطرف الآخر. ويعتبرونه من أقسام العلم.
وفي القرآن يقول الله
وما يتبع أكثرهم الا ظنا, ان الظن لا يغني من الحق شيئا
وان الذين اختلفوا فيه لفي شك منه, وما لهم به من علم الا اتباع الظن , وما قتلوه يقينا
وما لهم بذلك من علم , ان هم الا يظنون
ان نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين
فالظاهر الواضح الجلي من الآيات أن الظن في المسائل الأساسية ليس مستساغا وليس منجيا.
نعم الأمر يختلف في الأمور الفرعية, لذلك نجد أن المجتهدين الأصوليين يجيزون الظن في الفروع(الفقه) وهذا طبعا بخلاف الأخباريين عبدة "النصوص" الذين يمنعونه.

الشك

أما الشك ففي اللغة يقولون شككت الشيء: اذا جمعته بشيء تدخله فيه.وفي المنطق يقولون: التساوي بين احتمال الوقوع واحتمال العدم يعني 50% لكلا الطرفين.
والان

كيف كون كل منا رؤيته الايديولوجية الشخصية؟

لا يخفى على أحد أن الانسان يتبع ما وجد عليه آباءه كانطلاقة في الحياة في غالبية الأوقات, فمن ولد في بيئة دينية ما يسارع الى حمل سيف هذه البيئة وتبنيها, فنجد الشيعي هو ابن البيئة الشيعية , وكذا السني,الدرزي,المسيحي على اختلافات المذاهب,اليهودي, وكذا أتباع الديانات اللاسماوية, ومن يطلقون على أنفسهم عناوين "ملحدين","ربوبيين", "لاأدريين", "طبيعيين وجوديين" وعلى هذا ايضا عراة غابات الأمزون,الكونغو,وجزر بولينيزيا وغيرها.
فمعظمنا لم يختر, بل لبس ثوبا جاهزا... وهكذا انطلق في حياته
معظمنا لم يطبخ بيديه, بل تناول ديليفيري, وجبة جاهزة
معظمنا اتبع ما وجد عليه آباءه... فقلدهم
أخذ قلادتهم من أعناقهم ولبسها
أو هم ألبسوه اياها
ومن هنا انتزع مصطلح التقليد

التقليد

في اللغة, التقليد مأخوذ من القلادة التي يقلد الانسان غيره بها.
وفي الاصطلاح يدور التقليد في عالم العمل أو الأخذ بقول وفعل الغير دون حجة
ولعل تعريف الخوئي قد يكون الأنسب:"الاستناد الى قول الغير في مقام العمل
"
موقف القرآن من التقليد

في المسائل الأساسية قال الله تعالى في مورد الذم لمن رفض دعوة النبي(ص): قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا , أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون.
وقال ايضا: قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا
وأيضا: وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليه آباءنا.
وايضا: قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون

فالتقليد مذموم في المسائل التي يتوقف عليها مصير الانسان ووجوده.
لذلك فاتباع ما وجدنا عليه آباءنا تقليدا مذموم, وهو أكيد لا ينتمي الى عالم اليقين ابدا!
كيف نتعامل مع المسائل التي تعترضنا سواء أخذناها وراثة أم اكتسابا وسعيا؟
ان كل اناس بما لديهم فرحون, ولكن هل يحقق هؤلاء الناس مما لديهم, أم ساروا به تقليدا؟
علينا جميعا أن ننظر الى ما لدينا ونصنفه
هل هو تقليد لما سار عليه آباؤنا, أم أنه عن اكتساب ونظر.
اذا كان تقليدا, فهو ليس من عالم اليقين ولو ادعى من ادعى أنه متيقن!
فهذا انسان يعيش وهما يسميه يقينا
ومع احترامنا الكامل لأصحاب المكاشفات والمنامات والقصص التشويقية.
واذا كان عن اكتساب وسعي ونظر, فهل يستطيع أن يصنف كل منا رؤيته الوجودية تحت عنوان ما: اليقين,الظن,الشك, أو حتى غير ذلك كالوهم مثلا!
هل حاول كل منا البرهنة على ما يعتقد به للوصول الى اليقين مثلا؟
هل نجرؤ عل ذلك؟
ولماذا لا؟
ألسنا انسان!؟
أحرار مختارين؟ أم هي مجرد شعارات, تربينا عليها ذهنيا!!
واين العدالة ان لم يجب علينا أن نختار...

اليقين والحقيقة

عندما يصل الانسان لحقيقة ما يحصل لديه اليقين الفعلي
لذلك لغويا ذكر التحقق في تعريف اليقين
بغض النظر عن التعريفات الاصطلاحية للتحقق,الحقيقة, الواقع وغير ذلك
فاليقين انما يستلذ به ويطمئن به الانسان بمعانقة الحقيقة
والحقيقة معرفيا هي الفكرة المطابقة للواقع, ووجوديا هي ما ينكشف من الواقع لدي
فهل وصل كل منا الى يقينه  بناء لانكشاف الواقع لديه, أو بناء لمطابقة أفكاره الدينية وغيرها للواقع؟
لا بل هل فهمنا ما هو اليقين, وبحثنا عنه اصلا؟!
وكيف ننهل من الواقع؟
يصنف أهل العلم على اختلاف مشاربهم وعلى المشهور أدوات النهل من الواقع   بما يلي: 
1- الوحي
2- القلب- المكاشفة
3- العقل- الاستدلال البرهاني
فمنهم من حصر الأداة بواحدة منهم ومنهم من جمع اثنتين ومنهم من جمع الثلاثة, او بعبارة أدق, جمع القلب والعقل تحت عبائة الوحي
ولما كان الوحي قد انقطع باستشهاد النبي(ص), وهو الوحي الخاص لا الوحي بالمعنى التكويني, خلافا لغلاة الشيعة ومفوضتهم وخلافا لغلاة السنة وحشويتهم, ولما لم يكن مقدورا عادة على الكشف القلبي-اذا فرضنا قيمته كأداة- لم يبق أمامنا الا العقل, وبرهانه
والعقل يعني الانسان
ومن يسأل لماذا العقل, يأتيه الجواب: لأننا انسان

البرهان العقلي

البرهان في اللغة يدور مدار الحجة البينة الفاصلة.
يقولون أنه عملية استدلال تهدف الى اثبات صدق أو كذب قضية ما
وفي المنطق: هو قياس مؤلف من مقدمات يقينية يفضي الى نتائج يقينية
البرهان في القرآن:
يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا اليكم نورا مبينا
قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين
ويقول عن يوسف : لولا أن رأى برهان ربه

فأين نحن من هذا كله؟؟
هل ما لدينا من نظرة كونية قائم على البرهان؟؟
أم على التقليد!؟؟
واذا فرضنا أننا اقمنا نظرتنا بناءا لبراهين, فرصنا من أهل اليقين, كوننا اعتبرنا ان ما لدينا من أفكار قد صارت مطابقة للواقع, او اعتبرنا أن اننا وصلنا للحقيقة في هذه الرؤية من خلال انكشاف الواقع لدي, فما موقفنا اذا أطل الشك مجددا بقرنيه؟؟
ان كنا من أهل اليقين فيما نكونه من نظرة ايديولوجية وبدأ الشك يشوش علينا؟ماذا نفعل؟
ان اليقين لا ينقض بالشك وإنما ينقض بيقين مثله.
وبالتالي لا يمكننا بمجرد الشك أن نعمد الى نسف يقين ما, وان فعلنا فهذا يدل على أن ما كان عندنا لم يكن يقينا 
ان مجرد الشك لا يعني الترك حتى نتبين ابدا...بل يمكن مع بحثنا عن حقيقة موضوع ما طرأ عليه الشك أن نبقى على ما نحن عليه الى حين ظهور وجلاء الأمر بشكل يزول معه هذا الشك المطل
تذكرت قول لأحد الاخوة يقول فيه :اذا عندك بيت وتشك في كونه يحميك, فهل تتركه وتجلس في العراء!أم تبقى فيه وتبحث عن بديل؟؟
طبعا هذا قول جيد, فيما لو كنا متيقنين من هذا البيت ويعترينا الشك فقط...
أو لنكون مقصرين شوي او تفريطيين: هو جيد فيما لو كنا نشك في أسس هذا البيت فقط.
لكن ماذا لو كنا متيقنين من هشاشة أسس هذا البيت؟؟؟
ماذا لو كان هذا البيت مما بني على (اساس) غير يقيني!؟؟؟
أو على أساس توهمنا يقينيته؟ لكوننا انطلقنا مما وجدنا عليه آباءنا عند الاستدلال
يعين بتعبير منطقي, لم ننطلق من مقدمات يقينية
طبعا الوضع سيكون مختلفا , وبالتالي سنكون حين وجودنا فيه مهددين بأن ندفن تحته, ولا يكون هناك فرصة ابدا للبحث عن بيت بديل!
فعندما يكون الاساس من هذا السنخ, فالبناء مثله, ولا يقوم بناء دون اساس, وكل بناء على شاكلة اساساته
البقاء تحت سقف هكذا بيت يعني اننا قد نبقى نعيش الوهم, وهما يزين لنا بيتا مخلخلا على أنه أفضل الموجود.
وفي حال حصل هذا الأمر, فاننا سنبقى نطل على خارج هذا البيت من معيار نظرتنا لهذا البيت.
سنبقى نطل على غير هذا البيت من شباك هذا البيت؟
سنبقى نصحح في الجدران, وفي السقف, لنخفف من النش الذي يرشحه علينا الوهم
أما الاساسات التي يقوم عليها البيت!! فلن نستطيع أن نفعل معها شيئا ونحن في الداخل
وأكثر من ذلك, فاننا لن نتمكن من أن نقيم البيت بنظرة كلية من خارجه, بل سنبقى عالقين في نظرة متجزئة مبعضه له ومن الداخل, تماما كنملة تظن ان امكنها النظر عاليا وهي تحت جبل ما أن هذا هو أعلى شيء ممكن, وعلى طريقة سعيد صالح في "العيال كبرت" عندما وقف أمام عبد الواحد العملاق الملاكم : "ورحت بص لفوق, بلاد تاخدني وبلاد تجيبني, وفين لما وصلت للكتاف, وبعد كده نظري ما جبش!!".
فان بقينا فيه لن نستطيع أن نراه(البيت) ونرى غيره في نفس الوقت؟
مهما ادعينا قدرتنا على ذلك
ومع كل لحظة بقاء فيه,نحن مهددين, بأمراضه, ونبقى في حالة صراع مع آثاره السلبية, هذا ان حالفنا الحظ في البقاء أحياء ولم ينهدم فوق رؤوسنا...
فهذا البيت هو بيتنا نحن... فقط..
وحذار حذار من البحث عن يقيننا!!
أي ما نفترضه نحن يقينا
يقين مقرر مدروس مسبقا معتمد على ما نريد نحن, يوقعنا فيما يسمونه الأصوليون: المصادرة على المطلوب
أي تسريب النتيجة في المقدمات
انه ليس الا وهم اليقين
وما أكثرهم من يقعون به


 
بين البساطة والقدوة بين البساطة والرقي
بين البساطة والعظمة
بين البساطة والمنزلة الرفيعة
تكمن الحقيقة
ولكنه...الانسان ..
انه ذو العقل والحقيقة
لكنه ايضا
خالق الأوهام, ذو الجهل
انه يستطيع ان يفهم البساطة
ويستطيع أن يفهم القدوة, الرقي, العظمة والمنزلة الرفيعة
ولكن لا يستطيع أن يفهمهم مجتمعين منسجمين!
خصوصا في عالم المقدس
فمن وجهة نظر الأتباع, التلاميذ والمتبعين هي صعبة جدا!
بل تكاد تكون مستحيلة
فالقدوة, الرقي, العظمة, المنزلة الرفيعة وكل كلمات وجمل الايجاب تقتضي الايجابية.
والبساطة وبكل بساطة في دنيا اللاوعي هي اشارة للسلبية...
ليس في مطلق تعميم ولكن على غالب مشهور
فنحن أمام تجربة واقعية على مر العصور
ولسنا أمام افتراضات ذهنية محضة
  لننظر تجارب الانسان, في تعاطيه مع أخيه الانسان.
  لننظر تجارب الانسان مع بوذا
لننظرها مع موسى,داود وسليمان..
لننظرها مع المسيح, بولس وبطرس...
لننظرها مع محمد, الصحابة وائمة أهل البيت!
لننظرها مع غير هؤلاء
لم يستطع الاتباع أن يبقوا هذه الأسماء على ما هي عليها, ببساطتها.
لم يستطيعوا أن يبقوا على تجاربهم الانسانية كما هي ببساطتها
تجارب تحاكي واقع الانسان , بأبسط ما يكون
بعيدا عن التكلف والتعقيدات
  ماذا فعل اتباع هؤلاء بهم بعدهم؟
آلهة, أنصاف آلهة, خوارق الخ الخ
وبدل أن يتعاطوا معهم من خلال الاستعبار من تجاربهم
من خلال قصد ما قصدوه
راحوا باتجاه المعابد ,التماثيل, النذور, القرابين, الهدايا, الطلب المباشر, الخ الخ
فمع تطور التجربة الانسانية كان لا بد من تطوير النظرة لمقدسات الاسماء وصبغها بما يفوق التجربة الجديدة.
أليسوا هم الذروة التي تجسدت على صورة انسان؟!
  ولكن حين وصل العقل الانساني الى منعطف بداية الذروة الحقيقي اللامحدود...!
توقفت مسيرة النظرة للأسماء بعدما وصلت نهايتها
  فلم يكن بالامكان في مجال النظرة الى الاسماء أكثر مما قد كان
  فأكملت التجربة الانسانية ...
وما زالت ترتقي وترتقي
وتوقفت القذف الشاقولي للاسماء المقدسة في عالم الذهن المبتكر
..وبدأ الصراع!

  بين تجربة الانسان العاقل, وموروث الدين الواصل الينا عبر ناقل...

بين تجربة حيوية نضرة ديناميكية, وتجربة وصلت ذروتها واشبعت
 

 
ان القرآن لم يأت ليجتث واقعا موجودا ويستبدله بآخر...
فهو ليس اسقاطا من عالم متباين يمحق واقعا موجودا..
بل هو جاء من لب ذلك الواقع الذي نزل فيه..
فمن صميم ذلك الواقع أتى القرآن بافضل ما يمكن لذلك الواقع...
جاء ليصلح الأمر بما يناسب واقع ذلك الزمان.. وكأفضل ما يكون في ذلك الزمان ولذلك المكان.
وأنت تطالع القرآن لا يمكنك الا أن تشم رائحة الواقع الذي نزل فيه.
وأنت تطالع القرآن لا يمكنك أن تتغافل عن حقيقة الانسجام مع الواقع الذي نزل فيه
وأنت تطالع القرآن لا يمكنك أن ترى اي تجاهل منه للواقع الذي نزل فيه
وأنت تطالع القرآن لا يمكنك أن ترى أي محاولة سلخ للواقع الذي نزل فيه
وأنت تطالع القرآن لا يمكنك أن ترى اي محاولة مصادرة للواقع الذي نزل فيه
ففي القرآن حديث عن التين والزيتون والعنب والنخيل وغيرها من المحاصيل الزراعية التي عرفتها شبه الجزيرة العربية وجوارها من المناطق التي احتك بها العرب في رحلاتهم وتجاراتهم ولا نجد في القرآن ذكر للمانغو, الافوكاتو والبابايا وغيرها
,في القرآن حديث عن الفيل, النملة, البعوضة, الابل الحمار وغيرها من الحيوانات والحشرات ولا نجد في القرآن ذكر للكنغارو , الباندا, التسيه تسيه, البطريق وغيرها...
وفي القرآن ذكر لأمم سابقة ومعاصرة عرفتها شبه الجزيرة وجوارها, ولم يذكر القرآن شيئا عن الأمم البعيدة عن الواقع الذي نزل فيه
وفي القرآن ظهرت الجغرافيا بمحدوديتها بالنسبة الى ما عرفها أهل ذلك الزمان والمكان, بحيث أن الشرق الأدنى يختصر العالم أجمع
وفي القرآن ظهر ذكر أديان عرفتها تلك البقعة الجغرافية وجوارها ايضا, ولم يتطرق القرآن لديانات عرفتها المناطق البعيدة
وفي القرآن ظهرت بصمة النظريات العلمية التي كانت سائدة في ذلك الزمان والمكان, من الذرة الى السماوات السبع, الى مكان خروج الماء الدافق الخ الخ
اذا هو ذلك الواقع ونفحاته تسود عبر السور والآيات...
وفي القرآن جاءت أحكام وتشريعات مستخلصة من الواقع الذي نزل فيه واذكر منها اضافة الى ما شرعها النبي دون نص قرآني مباشر( ما أتاكم الرسول فخذوه) : قطع يد السارق, الحج, حد الزنا, القسامة,  الطلاق, كسوة الكعبة, تحريم الاقتتال في الاشهر الحرم, السواك, المضمضة والاستنشاق, الاجتماع في يوم للوعظ, غسل الجنابة,الاستنجاء, الصوم, الحج والعمرة, الدية, الخمس( كان ربعا) الخ الخ ..
فمن واقع زماني ومكاني معين متخصص خرجت التشريعات والاحكام متلائمة مع أصلها بل هي ابنتها..
لكن قد تم تجاهل كل هذا وتم اسقاط كل تلك الأحكام والتشريعات المنبثقة من ذلك الواقع, تم اسقاطها على واقع الانسان اليوم, واقعه هنا وهناك..
كم هو بون شاسع أن تستخرج من الواقع ما يناسب ذلك الواقع بأفضل مثال... وبين أن تأتي بمستخرجات من واقع ما لتسقطها على واقع آخر كاسوأ مثال...
فليس الكلام هنا عن النظرة الى الوجود, الحياة والانسان...وليس الكلام هنا عن جوهر العناوين الملائمة لكل مكان وزمان..بل الكلام عن تشريعات مستخرجة وآليات وتطبيقات لأحكام..
المشكلة اذا اننا قد تربيا على أن القرآن كلام الله, وليست هنا المشكلة بل في الفهم الديني لكلام الله!
كلام الله عند أهل الفقه والعقيدة الذي يعني الالهية الصرفة للقرآن التي تأبى اي دور انساني في صياغته.
تلك الالهية الصرفة التي تأبى اي دور انساني لمحمد ابن ذلك الواقع فيه..
تلك الالهية الصرفة التي جعلت من محمدا مجرد قناة صنمية تمر فيه عبارات, كلمات وحروف الله فيه!
تلك الالهية الصرفة التي جعلت محمدا موجود بلا احساس ولا معارف وما تحريك شفتية الا حركة لا ارادية مطلوبة من قبل عزيز جبار لتمر الآيات!!
ففهمهم لمعنى كلام الله فرض صرفة محضة للآيات, الأمر الذي يعني وجوب فرضه وبسطه على كل الوقائع المختلفة زمانا ومكانا وبنفس الشكل!!
لقد حولوا محمدا  الى مسخ على صورة بشر!
فان كان قد نزلت كثير من الآيات بنفس واقع ذلك الزمان والمكان, فالى من تعود مرجعية هذا النفس؟
فاذا كان هذا النفس المنسجم مع ذلك الواقع الزماني والمكاني ليس من بنات صياغة محمد ابن ذلك الواقع, فهل هو من الله؟!
لعله اله ذلك الزمان والمكان المحدودين هو من أنزل تلك الآيات!
فهل صار الله ابن شبه الجزيرة العربية وجوارها؟
وهل صار الله محدود الواقع؟
أم هي ببساطة متناهية لمسة ابن ذلك الزمان محمد المتأثرة بواقعه الزماني والمكاني قد فرضت نفسها على القرآن
انها هي حالة اللاوعي السلفية فكريا التي يعيشها غالبية رجال الدين المسلمين على اختلاف مذاهبهم؟
  فان كان سلفية أهل الحديث قد فصلوا بين الله وخلقه بجعله في "اكس" ما خارج هذا الوجود (على عرش فوق الوجود) ومن هناك يمارس سلطته واسقاطاته, فان غيرهم ممن ينفون عن الله الطاكس" وال"جهة" يعيشون هذه الحالة في لاوعيهم فيفصلون ولا يستطيعون أن يفهموا اي شيء يخص الله الا بتباين عن واقع الوجود والانسان
 
من خلال الدراسات العلمية يقول بعض العلماء أن كثرة بكاء المرأة أمام الرجل يخفف من الرغبة الجنسية عنده
والسبب أن كثرة مشاهدة الرجل للمرأة وهي تبكي وتذرف الدموع يقلل من افرازات هورمون التستوستيرون عنده
وهذا الهورمون هو هورمون جنسي ذكوري.. يسميه البعض هورمون المُرَجِّل.
كذلك يقول رجال الدين اللاواقعيون ان المرأة عورة مع اختلافهم على التحديد في دوماينه
ولذلك يبررون وجوب تغطيتها لنفسها بهذه الطريقة البدائية السائدة التي عرفتها الشعوب الاولى في سومر, أكاد, بابل وآشور
وكون المرأة عورة يعني أنها محفز جنسي أمام الرجل, ولهذا يجب أن تغطي نفسها دائما باستثناء الوجه واليدين على المشهور كخد أدنى وأن تندفس بالبيت كحد أقصى فلا ترى رجلا ولا يراها رجل بناء لاحدى الروايات الموصوفة بالشريفة
وطبعا هذا يخص الوضع القائم في مجتمعاتنا الاسلامية والا فانه بعيدا عن ثقافتنا الاسلامية فلا نجد غير المسلمين ينظرون الى المرأة حتى ولو كعب رجلها أو كوعها على انه عورة
فلا نجد مثلا في باريس أو لندن رجلا يعتبر أن ساعد المرأة أو كاحلها عورة فيدعوها لستره لأنه يشتهيه!!
وان وجد هكذا شخص فانه ولأنه يحترم نفسه فلن يكابر وسيترك كل شيء ويحجز موعدا عند أقرب طبيب نفسي لانه سيعرف أنه هو المريض 
  لذلك خطر على بالي حل لهذه المشكلة المرضية النفسية التي زرعها الدين في المتدينين..
  وهو أن تستلم المرأة الريادة في مجالس العزاء الخاصة بالرجال!
فتستمر القارئة أو مجموعة القارئات في البكاء والنحيب أمام الرجال من العاشر حتى الاربعين من محرم عند معظم الشيعة, ولمدة 365 يوم فقط في السنة عند متابعي الفضائيات الشيعية(كربلاء, الانوار, فورتين وغيرها), و366 عندما تكون السنة كبيسة كل أربع سنوات
وهكذا تنخفض هذه الرغبة الجنسية عند الورعين المتدينين نتيجة تأثر افرازات هورمون التستوستيرون عند الرجل بدموع المرأة قارئة العزاء .... وبتنحل المشكلة مع الوقت.
وأصوليا في الحوزات الدينية يقولون: الحكم يتبع الموضوع في الوجود والعدم.
فالحكم ملازم لموضوعه ومتى ما زال الموضوع زال الحكم.
يعني هنا:
المرأة كلها حتى أسفل قدميها تنتج الرغبة الجنسية عند الرجل ----- الموضوع
  المرأة يجب أن تغطي كل جسدها ----- حكم
واذا ..  بيصير عندن بعد العلاج للرجل بدموع المرأة انعدام للموضوع .. فيزول الحكم بزوال الموضوع ولا تعود المرأة بحاجة الى أن تغطي كل جسدها أو أن تندفس في البيت..
وهيك منكون حلينا المشكلة من جذورها, لأننا نكون قد عملنا على اصل المشكلة وهي النزوع الجنسي المرضي الذكوري وهو حل أفضل من أن نتلاعب بشكل المرأة ولباسها وكأنها فأر مختبر
أما حل مشكلة الاخوات المتدينات اللواتي مصدقات أنفسهن أنهن كلهن عورة فلها موضوع آخر

 
اننا في كل لحظة من لحظات وجودنا على اتصال بهذا الواقع الذي نحن فيه, ويترك هذا الواقع آثاره فينا, سواء التفتنا لذلك أم لم نلتفت
لكننا نجد أننا في كثير من الأحيان نختلف على فهم ما للاتصال بواقع ما مع اتفاقنا على حصول الاتصال..
وحيث أن هذه الوقائع هي موجودة خارجيا وبآثارها الخاصة المتعينة ومستقلة وبمعزل عن أذهاننا , فهذا يعني أن ما تتركه فينا من آثار هو مخصوص ايضا بتخصصها.
فكيف يحصل هذا الاختلاف في الفهم لحقيقة هذا الاتصال عندما يكون منوطا بواقع  معين واحد؟
كيف يتم فهم الاتصال؟
أن الفهم للاتصال يتوقف على نفس آثار الاتصال المنعكسة وعلى القبليات
  فكما أن الآثار الواقعية وكميتها وتنوعها تحدد الفهم فكذلك الحال بالنسبة للقبليات, فلها أيضا دور في الفهم...
ولست هنا في مورد تناول الجهة المرتبطة بنفس الاتصال وكمية الآثار المتلقاة عند المتصل ودورها في فهم الانسان.
بل في عملية الفهم لحقيقة ما تم الاتصال به وارتباط هذا الفهم بالقبليات الخاصة
لان هناك ثمة علاقة مترابطة بين هذه العناصر الثلاثة: الاتصال, القبليات والفهم.
ان حصول الاتصال مع عدم وجود قبليات يعني عدم وجود فهم للاتصال...
ولكن على الاقل فان الواقع يخبرنا عن وجود مثل هذه القبليات ولو المشتركة البديهية منها.
ولكن قد يوجد اتصال وتوجد قبليات لكن من دون أي يوجد فهم لهذا الاتصال, وهذا ممكن الوجود ولكنه أكثر ما يكون في المواضيع التي لا تعتمد على القبليات المشتركة البديهية.
ومن القبليات البديهية المشتركة كقضايا: النقيضان لا يجتمعان, الكل أكبر من الجزء, لكل معلول علة, الخ الخ
لكن أكثر ما يحصل الاختلاف في فهم الاتصال هو حين يكون الموضوع مرتبط بالقبليات الخاصة المختلفة باختلاف واقع أفرادها.
والقبليات الخاصة قد  تكون قبليات صوفية, فلسفية, نقلية, سيكولوجية, ايزوتريكية, باراسيكولوجية, عاداتية, كلامية,  الخ الخ
من أجل أن نفهم الاتصال يجب أن تمر تجربة الاتصال بمراحل عديدة
فاي اتصال واقعي هو يترك اثرا وهذا الاثر يصبح في مملكة الانسان
هو ذا الان في هذا العالم الانساني ....
انه الانسان الذي يأبى الا أن يعي ما انعكس عنده...
وتبدأ الرحلة من الاثر الواقعي المنعكس الى عنونة الفهم الخاص له, وقد تكون رحلة طويلة وقد تكون قصيرة, وقد لا تصل الامور الى خواتيمها...
فاذا كانت رحلة الوعي لآثار الاتصال والمبنية على قبليات مشتركة بديهية سهلة لواقعية البديهيات نفسها وتماسها مع الواقع ولاتفاق الناس عليها وجبلتهم عليها في حركتهم اليومية, فان القصة الثانية المبنية على القبليات الخاصة مختلفة...
ان القبليات الخاصة ليست الا قضايا قد حكم بها صاحبها في مملكة نفسه ويأخذ على اساسها مواقفه.
وهذه القبليات الخاصة هي ابنة العوامل الخاصة المرتبطة بالانسان من نفسية, ثقافية, عاداتية, طبيعية, الخ الخ وبما تتناسب مع واقع العصر الذي يكون هو فيه وقد تكون هذه القبليات أعم وأوسع شمولا من عصره.
فالانسان عندما يتصل بواقع ما سيفهمه بناء لقبلياته الخاصة ابنة واقعه الزماني والمكاني الخاص..
فهذا الأثر الما المنعكس من الاتصال بواقع ما سينطلق هو في فهمه له بناءا لقضاياه القبلية التي يؤمن بحقانيتها
ولو انعكس نفس هذا الأثر عند انسان آخر ابن ظروف أخرى زمانية ومكانية سنرى فهما مغايرا من هذا الانسان المغاير له لأن قضاياه القبلية هي مختلفة..
فحكماء أهل الشرق الأدنى فهموا الاتصال بالحياة بخلاف ما فهمه اهل الشرق الاقصى أو أهل الجنوب الأوروبي أو أهل الاسكيمو أو أي منطقة اخرى وخلاف ما فهمه من يطلق عليهم اسم الشعوب البدائية من عراة غابات الكونغو الاستوائية او الأمزون
ففي زمن النبوات ما عرف أهل الصين والهند أنبياء رغم اتصال كثيرين منهم بهذه الحياة
وكذا هو الحال عند أهل اليونان او أهل جنوبي ايطاليا الذين عرفوا الحكمة والحكماء
فلم تترك آثارهم المكتوبة ولا الآثار الاركيولوجية أي اشارة للنبوات
فما فهم أحد ممن اتصل بهذه الحياة أنه نبي بل تبنوا ما فهموه من قبلياتهم الخاصة وما هو منسجم مع واقعهم الخاص.
فهذا الاثر المنعكس عند الانسان في هذا الواقع هو يتم عرضه على القبليات الخاصة فيفهم بناء لها, ويكون الحكم في المملكة الخاصة على أساسها
فاثر ما منعكس في انسان ما في ذلك الواقع هو دلالة على كونه حكيما أو قائدا منقذا أو محيي أمجاد سلالات الاجداد المقدسين أو اي عنوان آخر
وفي المقابل فان أهل الشرق الأدنى قد عرفوا عنوان النبوة وعاشوا في ظلاله, لذلك ففي اتصال كثيرين منهم بالحياة كانوا يفهمونهه بعنوان النبوة  وتوابعها لا اي عناوين أخرى كتلك التي عرفها واقع آخر مختلف ...

ففي قبلياتهم الخاصة كقضايا يعتمدون عليها, يفهم هذا الأثر المنعكس عندهم أنه من دلالات النبوة أو الوحي وما شابه, لا دلالات عناوين اخرى...

فنجد أن عنوان الحكيم أو الفيلسوف لم يلق رواجا في الشرق الادنى وان وجد لبقي صاحبه محاصرا ومتجاهلا لا بل في كثير من الأحيان متهما!

اذا هي حالة الاتصال بالواقع أنتجت عناوين مختلفة نتيجة فهم مختلف لهذه الآثار والمنطلقة من قبليات خاصة...

 

اذا هو الاتفاق على حصول الاتصال وانعكاس آثاره, والاختلاف على عنونته بناءا للقبليات

 
هذا ليس بحثا مفصلا, بل مجرد مقال مختصر بسيط يشرح الظروف التي نشا بها التسنن والتشيع المشيخي...
ان التسنن والتشيع  الموجود الان هو ذلك المبني على الروايات المنقولة عن محمد سنيا والمنقولة عن الائمة من نسل محمد شيعيا
  فالشيعة والسنة وان كانا ينسبان وجودهما الى زمان محمد, لكننا هنا في صدد ذكر الظروف التي وضع فيها السنة والشيعة اصول مذهبيهما واعتمادا على الحديث المنقول من جيل الى جيل.
هي اذا قصة الشيعة والسنة, وتنازعهما على اصالة الاسلام, والاثنان لم يظهرا كمذاهب الا في وقت متأخر..
السنة بدؤوا بصياغة وقولبة مذهبهم ووضع قواعده ابتداءا من عصر بني العباس في أواخر القرن الثالث الهجري, بعد أكثر من 250 سنة على وفاة محمد نبي الاسلام
ثم لحقهم الشيعة بعد حوالي قرن فوضعوا اصول مذهبهم وكان ذلك  بعد سيطرة البويهيين الشيعة على الدولة العباسية والتي تزامنت مع بداية فترة ما يسمى بالغيبة الكبرى 
اذا كان تدوين الحديث النبوي الرسمي قد بدا خجولا في زمن عمر بن عبد العزيز الذي حكم من عام 99 هجري الى 101 هجري فقط, فان المجامع الحديثية  السنية بدات بالظهور في وقت متأخر زمن الحكم العباسي...
ولعله من أكبر الظلم هي التهمة التي يوجهها الشيعة للسنة من انهم اسلام بني أمية, فانهم فعلا ليسوا الا اسلام خصوم بني أمية والكاذبين عليهم والداسين ضدهم للروايات والقصص, عنيت بهم بني العباس.
والأنكى أن السنة يتهمون الشيعة بالفرسنة(من فرس) لوجود رجالات دين فرس مؤسسين في مذهبهم متجاهلين أن أهم أعمدة المذهب السني كانوا من الفرس!!
فالبخاري, الترمذي, النسائي, ابن ماجة, ابي داود, أبو حنيفة , ابو اسحق الشيرازي, عبد الرحمن الكرماني, الايجي, أبو حاتم الرازي, البيهقي والحاكم النيسابوري وغيرهم كثيرون من أئمة السنة ليسوا الا فرسا..
اذا مع زوال حكم مروان بن محمد آخر حكام بني أمية بدأ حكم الدولة العباسية عام 132 هجري مع أبي العباس السفاح اثر انقلاب شهير نفذه العباسيون على حلفاءهم ومنهم العلويين...
والدولة العباسية قد تبنت في كل فترات حكمها المذهب السني اللهم الا فترة المأمون, المعتصم والواثق من عام 198 هجري حتى 232 هجري حيث تبنى هؤلاء مذهب المعتزلة قبل ان يعيد المتوكل (يلقب بمحيي السنة) مذهب التسنن الى الواجهة..
اذا هو التراث الاسلامي السني قد بدا بالظهور مع قيام دولة بني العباس
ولئن ذكر في التاريخ أن رواد السيرة النبوية الأوائل هم أموييي المعاصرة عنيت بهم عروة بن الزبير(توفي94), عامر الشعبي(توفي104), ابان بن عثمان بن عفان(توفي105) وابن شهاب الزهري(توفي124) الا أن اول كتاب سيرة نبوية جامع وصلنا هو كتاب السيرة النبوية لابن هشام(توفي 218) والملطوش عن سيرة ابن اسحاق(توفي150 ) بعد تنظيفه من الروايات التي تتنافى مع الأخلاق النبوية والتي ستشوه صورة النبي والاسلام ان نقلها كما هي ... قال ابن هشام!!
وابن هشام هذا وضع هذه السيرة بحضانة الحاكم العباسي أبو جعفر المنصور.
ثم ظهرت كتب التاريخ, السيرة والمغازي الاخرى ومنها المغازي للواقدي (توفي 207), والطبقات لابن سعد(توفي 230) والتاريخ لابن خياط العصفري(توفي 240) وتاريخ الزبير بن بكار(توفي 257) والامامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري(توفي 276) وفتوح البلدان للبلاذري( توفي279 ) وكتاب الغارات للثقفي(توفي 283) 
وبعد أن كانت قد ظهرت في العصر العباسي الأول كتب عبد الرزاق(126-211) وكتب ابن أبي شيبة(159-235) وغيرهم في الحديث ظهرت بعد قرن ونيف من الحكم العباسي وبعد نهاية التبني الرسمي للاعتزال عام232  كتب الحديث الأكثر أهمية وتبنيا ومنها: 
مسند أحمد بن حنبل المتوفي عام 241 هجري
  صحيح البخاري لمحمد بن اسماعيل المتوفي عام 256 هجري..
  صحيح مسلم لمسلم بن الحجاج المتوفي عام 261 هجري
وظهرت كتب السنن كسنن ابن ماجة( توفي 273 ) وسنن الترمذي(توفي 279) و سنن النسائي(توفي303),  وأبي داود السجستاني(توفي316) ووظهرت كتب المسانيد والمعاجم الحديثية الأخرى..
وأول كتاب تفسير جامع هو جامع البيان في تفسير القرآن للطبري المتوفي عام 310 هجري قد ظهر في عهد الحاكم العباسي المقتدر بالله..
وظهر ايضا علماء الرجال كابن معين(توفي233) والجوزجاني(توفي 259) والعجلي(توفي 261) والبرديجي(توفي 301) والعقيلي(توفي322) وابن أبي حاتم الرازي(توفي327) وابن حبان البستي(توفي354) وابن عدي الجرجاني(توفي365) وغيرهم
ولكن ما هذا النزوع المخيف عن التدوين في الفترة السابقة؟
أم انه كان هناك تدوين لكن تم ابادة معظمه مع قدوم العباسيين للحكم!
أم أن العباسيين المنتصرين قد صنعوا تاريخا جديدا للمسلمين بمجيئهم!!
فتخلصوا من كل ما دون قبلهم مما هو ذو قيمة ولا يناسب الواقع الذي هم فيه!!
فالتاريخ كما نعرف يكتبه المنتصرون عادة...
ولعل ما فعله المحتلون الاسبان في قارة أميريكا كاف لاثبات هذا, وهم من أخفى كل تاريخ المايا واستبدله بتأريخ جديد!!
واي تدوين بدأ زمن بني العباس؟
تدوين رسمي تحت رقابة السيف العباسي المسلط على الرقاب؟
وفي ظل دولة عباسية ترامت أطرافها وبات ثوب التراث الموجود ضيقا عليها!!
ان لم يكن الأمر كما ذكرنا فلنقل ... لماذا فجأة بدا التدوين, وبدأت الفرق الاسلامية بالظهور...
هي طفرة في عالم الفرق, اضعاف ما كان خلال حكم بني أمية!!
كل فرقة تنسب للنبي ما يبرراتجاهها هي؟!!
حتى صار عند المسلمين أنبياء بعدد الفرق..
وهنا بدا أن محمدا نبي الاسلام ليس محمدا واحدا
تراكمت المؤلفات وانتشرت وملأت الخافقين في ظل الاختلافات الفكرية لمؤلفيها الامر الذي انعكس بركانا متفجرا من التناقضات بين عقائد وسيرة نبي مختلف المسلمين..
نطق اله الفرق ونطق نبيهم أخيرا, وبدأت دائرة الفتاوى في التوسع...
وفي فترة زمنية بسيطة كان هنالك بين المسلمين ملايين الاحاديث!!
حتى أن البخاري لم يخرج في صحيحه أكثر من 7593 والتي ليست الا  2761 حديثا بعد حذف المكرر.
والأغرب أنه – أي البخاري – قد أخرج هذه الأحاديث من اصل 600 الف حديث كان لديه!!
أما مسلم صاحب الصحيح الاخر, فجمع حوالي 12 ألف حديث لا يبقى منها بعد حذف المكرر أكثر من 4 آلاف وقد انتقاها من اصل 300 الف حديث..
والأغرب من كل هذا أنه لو عرضنا هذه الأحاديث على الواقع والعقل لتبخر الكثير الكثير ايضا!!
ولئن كان الجميع يكتب يومها وينظر عقائديا, الا أن الانتشار الاوسع كان لتراث عباسي الصنع, يراعي شروطهم الخاصة في التدوين, ويلقى الرواج والتبشير..
ولا يعقل ان يكتب المؤرخون في زمن بني العباس ما لا يناسب بني العباس, أو أن يكتبوا ما يبيض صورة خصومهم كبني أمية أو العلويين
كذلك فائمة الفقه عند السنة اليوم هم: أبو حنيفة النعمان(80-150),مالك بن انس (93-179) الشافعي(150-204), وأحمد بن حنبل(164-241), وجميعهم عاشوا في فترة حكم بني العباس 
أما الشيعة فحالهم متأخر عن السنة...
فمجاميع كتبهم الحديثية قد ظهرت في وقت متأخر... ومعظمها في زمن الحكم البويهي
واصحاب المجاميع الحديثية قد نقلوا بطرقهم الخاصة عمن قبلهم..نقلوا عن كتيبات صغيرة جمعوها في خزانة مجامع حديثية..
ومعظم هذه الكتيبات تصنف تحت عنوان "الاصول الأربعمائة" التي دونت زمان حياة الائمة ومن قبل رواة متنوعي الأهواء شيعيا(زيدية,واقفية,فطحية,اسماعيلية,كيسانية,ناووسية,الخ الخ) وكثير من اصحاب هذه الكتب كانوا من خيرة اصحاب الائمة قبل أن ينحرفوا عن سكة الاثناعشرية كما قال الاثناعشرية لاحقا
ولكن اين النسخ التي نقلوا عنها!؟
معظمها صار في خبر كان, الا ما رحم ربي...
انما أذكر ذلك لاقول أنه لم يكن للشيعة من عقيدة واضحة مشهورة قبل سيطرة البويهيين على بغداد عام 334 هجري,وانما كانوا متنوعي العقيدة
فعلي سبيل المثال لا الحصر وحال فرق الشيعة اكبر من أن يحصر بسهولة:
الشيعة الكيسانية هم من قالوا بامامة محمد بن الحنفية بعد استشهاد الحسين ورفضوا امامة زين العابدين
الشيعة الزيدية هم من قالوا بامامة زيد بن زين العابدين ورفضوا امامة الباقر 
الشيعة الناووسية هم من توقفوا عند الامام الصادق وقالوا هو المهدي المنتظر وأنه لم يمت
الشيعة الفطحية هم من قالوا بامامة عبد الله الأفطح ابن الامام الصادق ورفضوا امامة الكاظم
الشيعة الاسماعيلية هم من قالوا بامامة اسماعيل ابن الامام الصادق ورفضوا امامة الكاظم
الشيعة الواقفة هم الذين توقفوا عند الامام الكاظم ورفضوا امامة الرضا مدعين أن الكاظم هو المهدي المنتظر وأنه لم يمت
ومعظم هذه الفرق كان لاصحابها ورجالاتها كتبا من بين الأصول الأربعمائة التي اعتمد عليها محدثو الشيعة لاحقا في التدوين لموسوعاتهم الحديثية
فها هو شيخ الطائفة الطوسي(توفي 460) يقول وهو صاحب كتابين في علم الرجال: فإذا ذكرت كل واحد من المصنفين وأصحاب الأصول، فلا بد من أن أُشير إلى ما قيل فيه من التعديل والتجريح، وهل يعول على روايته أو لا؟ وأبين عن اعتقاده، وهل هو موافق للحق أو هو مخالف له؟ لان كثيرا من مصنفي أصحابنا وأصحاب الأصول ينتحلون المذاهب الفاسدة، وإن كانت كتبهم معتمدة
طبعا الشيخ الطوسي يقصد بمذاهب الشيعة الفاسدة الشيعة مذاهب من ليسوا من أتباع النظرية الاثناعشرية والتي انتشرت على حساب غيرها من المذاهب الشيعية الاخرى بعد السيطرة البويهية على البلاد 
ففي فترة الحكم البويهي الشيعي وسيطرته على الخلافة العباسية - دامت من عام 321 هجري الى عام 447 هجري-  بدأت الكتب والمجاميع الشيعة بالظهور.. وبدأت فلترة الكتب المدونة والتي قد طالتها دسائس المغالين والمبغضين, ورغم الفلترة ظهر من الغلو ما ملأ الخافقين!
وبدأت العقيدة الشيعية تتضح ملامحها وتميل الى كفة أهل الكلام من أهلهم على حساب أهل الحديث...
كما بدأ التنظير لعقيدة المهدي بالظهور بعد فترة حيرة من الانتظار مل منها الشيعة فانحرف الكثيرون, واي كثيرون, كثيرون من نخبة الشيعة وليس من عامة الناس...
اذا ظهرت كتب الشيعة الأساسية في هذا العصر...
فظهرت كتب التفسير للقرآن من خلال الروايات 
فظهر تفسير القرآن للعياشي المتوفي عام 320 ميلادي
وكذلك تفسير القمي لعلي بن ابراهيم المتوفي عام 329 هجري, وفي نسخته الموجودة اليوم هو خليط مع تفسير أبي الجارود الزيدي
وظهر تفسير فرات لمؤلفة فرات بن ابراهيم الكوفي المتوفي عام 352 هجري
وغيرها من كتب التفاسير..
وفي الحديث كتب محمد بن الحسن الصفار كتابه المسمى "بصائر الدرجات" قبل نهاية القرن الثالث الهجري...
وجمع الشريف الرضي(359-406) في "نهج البلاغة"  الأحاديث المنقولة عن علي من بطون الكتب المختلفة 
وظهرت كتب والد الصدوق علي بن بابويه القمي المتوفي عام 329 هجري..
كما ظهرت أعمدة كتب الشيعة حديثيا وهي ما يعرف بالكتب الاربعة: الكافي للكليني( توفي 329), الاستبصار و التهذيب لمحمد بن الحسن الطوسي(توفي 460) ومن لا يحضره الفقيه للصدوق( توفي 381)
كما قام هؤلاء الرجال بتاليف الكتب لاثبات ولادة المهدي بعد ان احتار الشيعة وضاع من ضاع في تيه الانتظار..
اذ انقسم الشيعة  بعد وفاة الامام الحسن العسكري ثلاث عشرة فرقة, منهم واحدة آمنت بولادة المهدي وبقاءه حيا, والباقون كان لهم رأي آخر!!
فالمهدي قيل أنه بدا غيبة كبرى عام 329 هجري بعد وفاة سفيره الرابع علي بن محمد السمري, الا انه حقيقة قد غاب منذ بداية غيبته الصغرى لانه لم يظهر للعيان منذ يومها والاتصال كان يتم به عبر سفرائه, اذا هي غيبته بدات عام 260 هجري وعن عمر 5 سنوات!!
وفي خصوص هذه الغيبة كتب علي بن بابويه(توفي 329) كتابه "الامامة والتبصرة من الحيرة"
وكتب الشيخ الصدوق(توفي 381) كتابه " كمال الدين وتمام النعمة"

وكتب ابن أبي زينب النعماني(توفي 360) كتابه "الغيبة"

وكتب الشيخ الطوسي(توفي 460) كتابه "الغيبة"

اذا في هذا العصر ظهرت مجامع الحديث الشيعية, وظهر الفقهاء المؤسسون, وعلماء الكلام ومنهم الشيخ المفيد والشريف المرتضى..

ان احتضان البويهيون للشيعة الاثناعشرية القائلين بولادة مهدي وغيابه على حساب الباقين كان هذا كافيا لاضعاف شوكة الفرق الشيعية الأخرى..

ومنزلة الشيخ المفيد(336-413) عند عضد الدولة البويهي تملأ الكتب, ومنزلته عنده عالية جدا الى درجة أنه كان يزوره شخصيا

أما مذهب البويهيين فمثار جدل, وانا أميل الى كانوا زيديين أولا لانهم أتوا من بلاد الديلم, ولم يكونوا شيعة اثناعشرية و يكفي لذلك حكمهم للبلاد في وجود امام اثناعشري معصوم غائب وهذا ما لا ترتضيه  العقيدة الاثناعشرية وقتها في الوقت الذي ترتضيه عقيدة الزيدية التي تقول بامامة من يخرج من نسل علي بالسيف

فبلاد الديلم انتشر فيهم مذهب الزيدية منذ هرب أحد أحفاد الامام الحسن اليها المعروف بالأثلثي والمدعو يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الامام الحسن اثر الهزيمة أمام العباسيين عام 169 هجري تقريبا في خلافة الهادي ابن المهدي بن أبي جعفر المنصور..

وقويت شوكتهم هناك بعدما سيطر الحسن بن علي المعروف بالأطروش على طبرستان عام 301 هجري

لكن بعد دخولهم بغداد قد يكون الامر قد تغير, فهم ولو كانوا في علاقة حسنة مع معظم المذاهب الموجودة بما فيهم القرامطة والحنابلة المتعصبين اضافة الى المعتزلة, الاشاعرة, المرجئة, المحكمة, الزيدية, الواقفة وغيرهم الا أن احتضانهم لرجالات الاثناعشرية  وتكريمهم لهم كان مميزا عن غيرهم

فقد عمد البويهيون الى اجراء الرواتب لتلاميذ الشيخ المفيد كما قاموا بتخصيص جامع براثا في الكرخ لصلاته وخطبه

ولطالما عمد عضد الدولة البويهي لزيارة الشيخ المفيد واهدائه ما يناسب مقامه 

والبويهيون في وجودهم في بغداد أبقوا على الخليفة العباسي لكن قاموا بسلب نفوذه, وبالتالي كان هذا لعله حل لشرعنة سلطتهم في وجود امام معصوم غائب فيما لو كانوا قد تبنوا المذهب الشيعي الاثناعشري

ولا يدعم امكانية انتقال هؤلاء الى الاثناعشرية اختراعهم للمراسيم الشيعية الخاصة بعاشوراء كون عاشوراء مناسبة تخص كافة فرق الشيعة, لكن تنامي قوة الشيعة الاثناعشرية قد يكون هو أهم الأمور الدالة على امكانية تشيعهم الاثناعشري

هذا هو اذا واقع التسنن والتشيع الحديثي, هو واقع التسنن والتشيع المشيخي لا السياسي بحيث ان أصول المذهبين لم تعرف النور الا في وقت متأخر عن زمن النبي والصحابة والتابعين ولو رجعنا الى زمن محمد والصحابة وعلي وسألناهم عما عند هذين المذهبين الكبيرين لقالوا معا: أنحن وضعنا كل هذا!!؟؟؟

 
 الكرونوسنتريسيتي من "كرونو" اليونانية التي هي بريفيكس(بادئة) تعني أن هناك رابط أو علاقة مع "الوقت" اضافة الى السنتريزم التي تعني الاعتقاد بالتفوق أو الاعلوية لثقافة أو قيم ما أو غير ذلك 
  وهي تعني اصطلاحا الحكم على قيم لثقافات ماضية أو ادراك هذه الثقافات أو القيم من خلال المعايير اللاحقة أو المعاصرة..
ففي التعاطي مع القيم أو الثقافات الماضية لا يصح أن يتم الحكم على تلك التجارب بمذاق عصور أخرى أو بناء لقيم عصور أخرى أو حالية.
فلا يمكن مثلا أن نحكم سلبا على من يعطي لأجير طعام يومه مقابل عمله وهو ما كان شائعا في وقت ما, نحكم عليه بناء للقيم الحالية من أن هذا نوع من الاستغلال أو ما شابه من عناوين السلب
والشخصانية او الذاتية هي كل فكر ينطلق من ذاتيته التي يجعل لها الاصالة لمعرفة الواقع الموضوعي
فالكرونوسنتريزم هي ابنة الشخصانية الذاتية أو على الأاقل هي تعشقها
تظهر الكرونوسنتريزم  بشكل مؤثر وكبير في الدوماين الذي يخص الشخصيات وخصوصا الدينية المقدسة منها...
فنعمد اما للحكم السلبي على شخصيات ذات قيم وثقافات أخرى بناء لقيم وثقافات عصرنا ان لم تكن الشخصية مسلمين لها ايجابا
أو أن نغير عندنا في ذهننا الصورة عن الواقع الموضوعي لهذه الشخصيات ان كانت مقدسة تسليما ووجدنا أن قيمنا الحالية تنفر مما نقل عن هذه الشخصيات
فنعمد الى الشخصيات المقدسة ابنة الواقع الزمكاني الما وكوننا نؤمن بسيدودة وانبساط قدسيتها على مر العصور ونؤمن بقدسية تجربتها وحيث أن ما نقل عنها لا تستسيغه نفوسنا اليوم فنلجأ الى التأويل أو الرد لما ورد عنها كي تتلائم صورة هذه الشخصية المنقولة مع المعايير القيمية المعاصرة التي لدينا والتي هي ابنة الواقع الزمكاني المعاصر
أي اننا عندما نرى فيهم ما لا يعجبنا بنظارة عصرنا بدلا من أن نغير النظارة ونستبدلها بالنظارة المناسبة المسانخة فاننا نلجأ الى التلاعب بصورة الواقع الموضوعي للشخصيات كي تتلائم مع النظارة التي نعتبرها نحن هي المعيار الأمثل!!
وبدلا من ان نلبس نظارات العصر الخاص بالشخصيات والمناسبة لرؤيتها على ما هي عليه فاننا نلبس نظارة عصرنا ونطل عليها ونراها على ما هي عندنا مسبقا
وهذا يؤدي بنا الى رفض كثير مما نقل عن هذه الشخصيات فقط لأن نظرتنا المعاصرة للقيم اختلفت وباتت ترى فيما نقل عن هذه الشخصيات شيئا سلبيا أو شيئا ايجابيا لكن لا يرتقي الى المثالية المتلائمة مع هذه الشخصية بحسب مستوى وعينا الحالي ونظرتنا للقيم.

لذلك يجب علينا أن نفهم الشخصيات الماضية من خلال البيئة التي ترعرعت بها ومن خلال ثقافة ذلك العصر ومن خلال قيم ذلك العصر, وأن نحكم على هذا الأاساس أو نحكم من خلال القيم اليونيفرسالية التي هي ثابتة على مر العصور والفوكسة عليه انطلاقا منها كونها المعيار الثابت الذي لا يتغير كأساس مهما اختلف الواقع الزماني والمكاني...

وكذلك فكما أنه من الخطأ أن نقوم بعرض أو اسقاط ما لدينا من قيم معاصرة على شخصية عصر ماض والتي هي بنت واقعها الزماني والمكاني وقتها ونعتبرها المعيار لرسم الشخصية الخاصة مما يعني اللاموضوعية, كذلك الامر فانه من الخطأ أن نعتبر أن ما نقل عنه وقتها هو المناسب لنا الان ولكل واقع مختلف وأن تجربته الخاصة التفصيلية ابنة الواقع الخاص هي التجربة الامثل وأن القيم التي تحلى بها وقتها هي المعيار الانسب وكأن أنساق حياة الماضين هي معيار لكل العصور رغم اختلاف واقع العصور

وهكذا نكون نحن نحكم على قيمنا المعاصرة من خلال القيم الماضية التي نسلم على انها الأمثل كونها تخص تلك الشخصيات المسلمين بمثاليتها!

وهكذا يكون الكمال دائما في هذا الماضي الغابر والنقص دائما في الواقع المعاصر, وهو خطأ

موضوعيا, ان الشخصيات الماضية التي عاشت في واقع ما خاص هي ليست ابدا الشخصيات الذهنية منتوجا بل هي الشخصيات كما هي في واقعها وقتها

فالموضوعية تعني أن هناك واقعا مستقلا عن الذهن وعلى الفكر ان يطلبه انطلاقا منه نفسه اي الواقع

ان مشكلتنا في كثير من الأحيان تكمن في أننا نملك منظومات فكرية ما معاصرة وننطلق منها كقبليات لنقرأ الشخصيات الماضية...

نريد أن نقرأها بعيون الحاضر... فنكون نقرأ الشخصيات المخلوقة في ذهننا وليس الشخصيات الحقيقية الموجودة في عصرها...

فمن أجل أن نفهم الشخصيات الماضية.. علينا أن نبقيها في عصرها ونفهم عصرها, ثم نطل عليها فنعرف قيمتها وقيمة دورها وقيمة ما أتت به بما يلائم عصرها وبما يلائم كل العصور بالنسبة للقيم الغير مرتبطة بظروف خاصة...

فمحمد الحقيقي مثلا اضافة الى كونه ابن القيم العامة اليونيفرسالية فهو ايضا محمد العربي ابن شبه الجزيرة وابن تلك البيئة الخاصة وابن المعايير القيمية الخاصة في ذلك الوقت والمكان وليس محمد ذو القيم المثالية بحسب فهمنا الحالي لهذه القيم وبحسب المعايير الخاصة المتغيرة مع تغير الظروف..

ان كثيرا مما نقل عن الماضين من أمور نستقبحها اليوم لعلها كانت غير مستقبحة وقتها سواء عجبنا هذا أم لم يعجبنا... اللهم الا أن تكون هذه الأمور تضرب معاييرا ثابتة على مر العصور, ولا اقله معيار الانسانية الذي لا يقيد بعصر من العصور....

فعنوان الانسان ومنفعته هو المعيار في كل العصور

ايتها الحياة أعينينا على ان لا نكون كرونوسنتريسيتين لأن الكرونوسنتريسيتي هي خلاف الموضوعية ابنة الحقيقانية التي بها نطل على الاشياء ونعرفها كما هي في واقعها

فالكرونوسنتريسيتي تسانخ أو تتناسب مع الذاتية الشخصانية المنطلقة من ذاتها للبحث عن الواقع